واشنطن ترتبك.. وبوتين لا يتراجع
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأربعاء 24 سبتمبر 2014 - 9:25 ص
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة «أمريكان كونسيرفاتيف» مقالا للكاتب والمحرر المؤسس للصحيفة، سكوت ماكونيل، يتحدث فيه عن تفاقم الأزمة الأوكرانية المتصاعدة وتجاهل قادة أمريكا لوجهة نظر الأطراف المعنية فى روسيا. كتب ماكونيل يقول: إنه ليست هناك طريقة دقيقة للتعرف على الكيفية التى ترى بها روسيا السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا. لأن الولايات الأمريكية على خلاف روسيا ليست لديها تجارب سابقة فى التعرض للغزو، إلا إذا وضعنا حرب 1812 فى الحسبان. غير أن إجراء مقارنة ربما يكون مفيدا على أى حال. وعرض الكاتب السيناريو التالى الذى وصفه بأنه يماثل للغاية الفترة التى سبقت الأزمة الأوكرانية مباشرة، قبل أن تشرع روسيا فى الرد بقوة:
بحلول العام 2034، سيكون وضع قوة الصين أعلى من أمريكا. فقد أخلت أمريكا قواعدها شرق آسيا، فى ظل ظروف سلمية وإن كانت ضاغطة. وكانت حكومتا كل من كوريا واليابان، ثم الفلبين فى نهاية المطاف، قد خلصت بحلول عام 2026، إلى وضع ترتيبات أكثر حيادا و«أقل استفزازا». وصارت القاعدة البحرية الضخمة فى خليج سوبيك مقرا لقوة الأمم المتحدة متعددة الأطراف. وكان اقتصاد الصين أكبر من أمريكا لفترة من الوقت، على الرغم من أن دخل الفرد الأمريكى لا يزال أعلى إلى حد ما. وقد تراجع تميز أمريكا فى مجال الابتكار التكنولوجى إلى حد كبير، ولكنها مازالت تمتلك الكثير من القوة الناعمة؛ حيث يفضل فى أنحاء العالم أفلام هوليوود عن الأفلام الصينية، وتتجاوز الترسانة النووية الأمريكية الترسانة الصينية. ولكن الدول أكثر مساواة عنها اليوم، ومن المتوقع فى أنحاء كثيرة أن الصين سوف تكون «القوة العظمى» المهيمنة فى المستقبل القريب.
وتندلع أزمة سياسية فى المكسيك. ولدى المكسيك حكومة منتخبة انتخابا حرا لكن الشخصيات البارزة فيها، ما يحدث فى كل الحكومات الفاسدة، ترتبط بوول ستريت وميامى بيتش عبر روابط الزواج والمال. لكن كثيرين فى المكسيك حيث لا تزال الحركة القومية المناهضة للبيض مؤثرة يريدون أن تصبح بلدهم «الشريك الأمريكى الشمالي» الأول فى مجال الرخاء الكبير فى شرق آسيا الذى تقوده الصين. ويعلن الشباب المكسيكى فى تحد أنهم «الملونون» ويحتفون بحقيقة أن الصين غير البيضاء آخذة فى الصعود بينما أمريكا بلد المسنين البيض، تشهد هبوطا. ويتخلل مشاعرهم المادية والمغموسة فى الطموحات الشخصية، الخطاب «المنتمى للعالم الثالث» المناهض للولايات المتحدة، والمعادى للإمبريالية، بحيث يصعب على الغرباء فرز الدوافع الحقيقية. وعندما رفضت الحكومة المكسيكية، تحت الضغط الأمريكى، دعوة صينية لترشيح المكسيك لعضوية مجال الرخاء المشترك فى شرق آسيا، اندلعت الاحتجاجات التى كانت معدة منذ فترة فى مكسيكو سيتى.
وكانت المجموعة الأساسية من قادة الاحتجاج ومنظميه، تتلقى رواتب من الصين منذ فترة، وكذلك قادة العمل المدنى ومختلف المبادرات الشعبية الديمقراطية، ويتسم العديد منهم بمعاداة البيض على نحو واضح. وسرعان ما بدأ الساسة ونجوم السينما الصينيون التوافد على مدينة مكسيكو لالتقاط صور لأنفسهم مع المحتجين. وهو ما شجع على تصعيد مطالب المحتجين، لتشمل بالإضافة إلى استقالة الحكومة، وانضمام المكسيك إلى الكتلة الاقتصادية الصينية؛ إقامة تحالف عسكرى مع الصين. وتلتقط وكالة الأمن القومى محادثة بالهاتف الخلوى للسفير الصينى وهو يناقش اقتراحات تشكيل الحكومة المكسيكية المقبلة. وبعد ثلاثة أيام، انهالت نيران القناصة من مصدر غير معروف على المتظاهرين والشرطة، وينهار كل شكل من أشكال النظام. ويفر رئيس المكسيك إلى ميامى.
•••
وأكد الكاتب خلال مقاله على إمكانية إدراك مظاهر اللبس بين الحق والباطل. وأضاف؛ قد يتساءل البعض لماذا يجب أن يكون لأمريكا رأى فيما إذا كان ما يحدث فى المكسيك ثورة، وأنها سوف تنضم إلى تحالف عسكرى مناهض للولايات المتحدة؟ حيث إن المكسيك ذات سيادة، وينبغى أن تكون قادرة على الانضمام إلى أى تجمع دولى تريده. ولعل أكثر ما يلفت النظر حول أزمة أوكرانيا، عدم اهتمام الجدل الدائر فى واشنطن بوجهة نظر الأطراف الأخرى المعنية بالقضية وخاصة روسيا. وبطبيعة الحال، يتم تحليل شخصية بوتين، فهل هو، كما ترى هيلارى كلينتون، يسير على خطى هتلر؟ أم أنه مجرد حاكم مطلق عدوانى؟ أو ربما كان «يعيش فى عالمه الخاص» وليس عاقلا تماما؟ ولكن الجدل المفتوح فى واشنطن على الأقل، وربما حتى فى المستويات الحكومية المؤثرة، يبدأ بفرضية أن زعيم روسيا يقف فى نقطة ما بين العدوانية وغير العقلانية. بل إن الجدل الأمريكى لا يتطرق إلى التصرف فى صورة رد الفعل أو على نحو دفاعى، مثل زعيم أى قوة كبرى يواجه أحداثا على مقربة من بلاده. وهكذا ففى أواخر أيام الأحادية القطبية الأمريكية، تغرق دبلوماسية أمريكا فى وضع يشبه التوحد؛ فهى قادرة على إدراك مصالحها الخاصة، وتصوراتها، ورغباتها، والتعبير عن ذلك؛ بينما تغفل عن هموم الآخرين..
•••
وأشار ماكونيل إلى مقال جون ميرشايمر المقنع حول الأزمة الأوكرانية، والمنشور فى مجلة فورين أفيرز الذى كان استثناء من هذا التجاهل، فهو يرى أن الجهود الغربية لتسيير أوكرانيا فى فلك حلف شمال الأطلسى كانت «الجذر الرئيسى» للأزمة الحالية. وقبل ميرشايمر، يمكن أن نجد تحليلات تستعرض كيف أشعلت مختلف المؤسسات الليبرالية الجديدة والمحافظين الجدد، بإنفاقها ورعايتها لمختلف المجموعات «الموالية للغرب»، ثورة فى أوكرانيا، ولكنها صبت فى مسارات ليبرالية يسارية معارضة عادة للسياسات الأمريكية والغربية. ولكننا لم نسمع هذه الأصوات أبدا فى دوائر السلطة. فقد سارت سياسة دفع الناتو شرقا ليضم أولا بولندا وبلغاريا ليستمر بعد ذلك وصولا إلى حدود روسيا إلى الأمام قدما، كما لو كانت بتوجيه من طيار آلى غامض. واعتبر من المسلم به أن هذه السياسة حكيمة وضرورية، حتى أنه نادرا ما يتم مناقشتها. فهل كان أوباما حتى على علم بأن أحد المحافظين الجدد البارزين، وهو من مجموعة ديك تشينى، كان المسئول عن صياغة السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا، ووضع تصميمات لإشعال التحول الإقليمى الثورى؟ على المرء ألا يقبل ذلك؛ فالمواجهة مع روسيا لم تكن جزءا من حملة أوباما الرئاسية ولا تتفق مع أسلوبه، ومنذ بداية الأزمة كانت تعليقاته دائما أكثر اعتدالا من تصرفات الحكومة التى مفترض انه يقودها.
وكما يوضح ميرشايمر، لا تزال هناك فرصة واضحة ومغرية إلى حد ما: التفاوض مع روسيا على أن يستقر وضع عدم الانحياز فى أوكرانيا رسميا. وهناك سوابق مفيدة لذلك: منها مفاوضات أيزنهاور مع خروشوف التى أسفرت عن انسحاب القوات الأجنبية من النمسا فى عام 1955، وهو ما حدث بطبيعة الحال فى فنلندا. ولا يمكن لأى عاقل يفكر فيما قد ينجم عن أزمة أوكرانيا من حرب التى تدمر البلد، أو ربما يجلب القوى الخارجية لتدمير أوروبا كلها، أو حتى تفجر نصف الكرة الشمالى أن يعتبر النمسا أو فنلندا، وهما الدولتان اللتان تتمتعان بالحرية والازدهار، نتيجة سيئة. وعلى الرغم من أن الجدل الدائر فى واشنطن يدور بالكامل حول التدابير الرامية إلى جعل بوتين يتراجع، ويقبل ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى، ومن ثم حلف الناتو. يشعر الناس بالحيرة لأنه لن يتراجع.
•••
واختتم الكاتب مقاله موضحا فى النهاية أن هناك لغزا فى الطريقة التى تعمل بها واشنطن، فكيف يمكن أن ترى الطبقة السياسية برمتها أنه من المنطقى أن تعمل السياسة الأمريكية على إذلال روسيا على حدودها؟ من دون أن تفكر فيما إذا كانت هذه فكرة جيدة ضمن مخطط أكبر لسياسة عالمية ولا ما إذا كان الغرب يمتلك الوسائل والإرادة لتنفيذ ذلك؟ لأن تنفيذه يعنى فى الأرجح الحرب مع روسيا على أوكرانيا. (فالأوكرانيون الذين يميلون بالطبع للغرب سواء كانوا ديمقراطيين أو فاشيين لا يريدون سوى أن تقاتل القوات الأمريكية إلى جانبهم، بأن يصبحوا شركاء الناتو، الذيل الذى يهز الكلب). ولا تعتبر سياسة أمريكا منطقية، إلا إذا اعتبرت من المسلم به أن روسيا هى العدو الأبدى؛ قوة الشر التى ينبغى محاصرتها وإضعافها، ثم إسقاطها فى نهاية المطاف. ولكن لا يكاد يوجد فى واشنطن من يعتقد فى ذلك، ولا حتى مؤسسة الشركات الأمريكية. ولذلك يبدو الأمر لغزا- أن يبدو أن هناك توافقا قويا فى واشنطن يقف وراء سياسة دمج أوكرانيا فى الغرب، التى لابد أن هناك من أولاها تفكيرا جديا.