ما تفعله الدولة القطرية بالجامعة العربية
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 24 سبتمبر 2015 - 10:20 ص
بتوقيت القاهرة
فى قانون الحياة أنه إذا توقفت فاعلية الكائن أو المؤسسة أو الأمة فإن النهاية هى الوهن الذى بدوره يقود إلى الموت البطىء، ولكن المحتم.
لنحاول تحكيم قانون الحياة ذاك على مؤسسة الجامعة العربية التى تواجه الآن تحديات وطنية وقومية كبرى لم تواجه مثلها طيلة تاريخها. وهى تحديات تاريخية مفصلية بالغة التعقيد والحساسية، بحيث تحتاج مواجهتها إلى حيوية فى الحركة وإبداع فى التحليل والفهم وفاعلية فى الوصول إلى حلول واقعية معقولة متوازنة.
لكن هذه المؤسسة القومية أثبتت عبر الأربع سنوات الماضية أنها تفتقر فى اللحظة الراهنة، المليئة بالمآسى والفواجع والتحديات، إلى أى من تلك الحيوية أو الإبداع أو الفاعلية المطلوبة.
•••
فى مسرح اليمن المنكوب يتواجد بقوة رجالات هيئة الأمم المتحدة ووسطاء الخير من مثل رجالات سلطنة عمان ومندوبى هذه الدولة الأجنبية أو تلك، لكنك لا تسمع حسا فاعلا ولا ترى مشروعا سياسيا مقترحا من قبل الجامعة العربية.
إلى سوريا المعذبة المنهكة، المعرضة للحروب الأهلية والتقسيم والخروج من أهم ما كان يميزها من أثواب العروبة والروح الوحدوية، يأتى مندوبو هيئة الأمم المتحدة والغرب الأوروبى وروسيا، ويسرح ويمرح كل من هب ودب، لكن لا وجود ولا حس لجامعة الدولة العربية.
يتكرر المشهد ذاته فى ليبيا التى دمرها التدخل العسكرى الأجنبى، بمباركة عربية مخجلة، إذ لا تسمع إلا صوت الأمم المتحدة وهى تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما تقبع الجامعة العربية فى الظل وتمارس التقية الدبلوماسية.
وينطبق أمر ذلك الغياب المريب فى كل ساحة عربية تعج بالمشكلات والمحن امتدادا من السودان إلى الصومال، من العراق إلى لبنان، من الكويت إلى البحرين، من الأردن إلى فلسطين، من كل قطر عربى إلى كل قطر عربى آخر. فى كلها تسمع بتواجد أشكال من الوساطات والتدخلات الخارجية، لكن الجامعة العربية تبدو وكأنها شاهد لا يرى ولا يسمع.
قارن كل ذلك بحيوية وفاعلية مؤسسات الاتحاد الأوروبى المتواجدة فى بروكسل، كيف أنها صوت يعلو فى كل ساحات المشكلات الأوروبية: فى اليونان، فى أوكرانيا، فى الاقتصاد، فى موضوع الهجرة المتعاظمة إلى أوروبا، وكثير غيرها من الساحات. هى تتواجد باستقلالية فى الرأى وفى الفعل، وبقدرة على القيادة.
إذا كان هذا المشهد المفجع لن يقود إلى تفكير عميق وجدى لإصلاح هذه المؤسسة القومية المشتركة، التى تكالب عليها عمى البصيرة لدى أعضائها وهو سهم بسيادتهم الوطنية وعدم استجابتهم لنداءات ضرورة الإصلاح من قبل قيادات أمانات الجامعة المتعاقبة، مما جعلها كسيحة مهترئة فاقدة لأية إرادة ذاتية مؤثرة فى الحياة العربية، فإننا أمام أعضاء فقدوا الحس بالمسئولية القومية العربية المشتركة أمام أهوال مصيرية لم يعرفها تاريخ أمتهم عبر القرون.
موضوع إصلاح الجامعة العربية، وتعديل ميثاقها على الأخص، ليس بجديد. لقد بدأت المحاولة بعد ثلاث سنوات من تأسيس الجامعة فى عام 1945، وذلك عندما طالبت سوريا بوضع موازين وضوابط قومية على تصرفات أعضائها بهدف منع أى منها من التعاقد مع أية دولة أجنبية إلا بعد التفاهم مع الجامعة على أسس ذلك التعاقد والتأكد من أنه لن يضر المصلحة القومية المشتركة.
وبعد تلك المحاولة جرت محاولات كثيرة من قبل بعض الحكومات العربية، بل ومن بعض رؤساء الدول، وطرحت أفكارا تجديدية معقولة، وكونت لجانا لتقديم مقترحات محددة لتعديل الميثاق وإجراء إصلاحات هيكلية وإيجاد مؤسسات مدنية مرتبطة بالجامعة ومسمعة لصوت المجتمعات العربية، بل وبحثت كل تلك الأمور فى عدة اجتماعات من قمم الرؤساء العرب، لكن كل تلك المحاولات والجهود المضنية ذهبت هباء.
•••
لقد أراد البعض أن تبقى الجامعة مظهرا كاذبا للتضامن العربى غير الموجود، وأن يكون باستطاعة أية دولة عربية، مهما صغر حجمها وقلت أهميتها فى الميزان العربى القومى، أن توقف القرارات العربية المصيرية. ولعل تاريخ محاولات الجامعة لتكوين موقف موحد ملزم تجاه الاستيطان الصهيونى فى فلسطين المحتلة خير شاهد على هوان مؤسسة الجامعة وقلة حيلتها.
لا نحتاج لأن يذكرنا أحد بتصريحات وبيانات الجامعة بين الحين والآخر، ولا بحضورها هذا الاجتماع أو ذاك. فكل ذلك ليس أكثر من حضور حفلات الزواج ومآتم التعزية. المطلوب أكثر من ذلك بكثير. ولقد كتب الكثير من المحللين والمفكرين السياسيين العرب عن ذلك وقدموا عشرات المقترحات لتفعيل دور الجامعة ولجعلها لاعبا أساسيا فى إطفاء الحرائق وتقريب وجهات النظر، وفى ممارسة الضغوط إن لزم الأمر، وفى تفعيل كل المؤسسات الفرعية التابعة لها لتصبح مساهمة فى نهضة العرب.
الآن، بعد مرور سبعين سنة على تأسيس هذه المؤسسة، حان الوقت لأن تتوقف الأقطار العربية عن اللعب الطفولى المستهتر بالجامعة العربية وأن تصلح الجامعة وميثاقها لكى نعود إلى الأصل: وجود جامعة تساهم فى تحقيق تطلعات الشعوب العربية واحلامها المشروعة فى تضامن عربى حقيقى يؤدى إلى وحدة أمة العرب ووطنها.
الخطوة الأولى هى ألا تقل قوة وفاعلية مؤسسة العرب المشتركة فى القاهرة عن قوة وفاعلية مؤسسة أوروبا المشتركة فى بروكسل. أى سخف نمارسه حين لا نتعلم من إبداعات ونجاحات الآخرين.