عن شيخ الأزهر.. والفتاة المنتقبة
جلال أمين
آخر تحديث:
السبت 24 أكتوبر 2009 - 5:54 م
بتوقيت القاهرة
بعد أن هدأت الزوبعة التى أثارتها العبارة المدهشة، التى صدرت عن شيخ الأزهر للفتاة المنتقبة فى أحد المعاهد الأزهرية، يمكن الآن أن نناقش الموضوع بهدوء أكبر، ونستنتج منه بعض الاستنتاجات.
هذه ليست المرة الأولى التى تصدر من فضيلة شيخ الأزهر عبارة مدهشة لم نتعود صدور مثلها من عالم دين كبير ورئيس لأكبر مؤسسة دينية فى البلاد وفى العالم الإسلامى. فالشيخ يستخدم العامية بسهولة ولا يراعى دائما اعتبارات الوقار المفترضة فيمن يحتل هذا المنصب، بل وقد استخدم أكثر من مرة عبارات جارحة للغاية يتحرج من استخدامها عادة ليس فقط رجل الدين، بل وغيره ممن يحتلون مناصب أقل اتصافا بالورع والتقوى، ولا تشترط درجة عالية من مراعاة خواطر الناس واحترام مشاعرهم. من هذه العبارات بالطبع كلمته للفتاة المنتقبة، وهى فتاة صغيرة السن، لم تختبر الحياة، ويمكن أن تصيبها كلمة جارحة بمشكلات نفسية تبقى معها سنوات عديدة. فهو يرد على دفاعها عن ارتدائها للنقاب بقوله: «أنا أفهم فى الدين أكثر منك ومن اللى خلفوك!»، وهو بعد أن طلب منها خلع النقاب وانصاعت الفتاة لأمره قال لها: «أمال لو كنت حلوة شوية كنت عملت إيه؟!».
لم تكن هذه أول مرة تصدر من شيخ الأزهر عبارات جارحة وغير لائقة، فهو عنيف جدا مع معارضيه، ويعبر عن لامبالاة غريبة بما يوجه إليه من نقد فى الصحف. وبالرغم من كل ذلك، ومن شيوع السخط على هذه التصرفات، لا يبدو أن الرجل يتعرض لأى نوع من اللوم أو لفت النظر من جانب السلطة التنفيذية، التى أصدرت القرار بتعيينه شيخا للأزهر، وتملك سلطة خلعه من منصبه. لا تعليق بالمرة، لا من رئيس الدولة، ولا من رئيس الوزراء، ولا من وزير الأوقاف، ولا من أى لجنة أو مجلس يهتم بشئون البلاد. ومن ثم فليس هناك أى دافع لدى شيخ الأزهر للإقلاع عن هذا المسلك.
ولكن الأمر لا يقف عند حد إهانة فتاة صغيرة بلا مبرر، بل الأخطر من ذلك فى رأيى ما يترتب على هذه التصرفات من تقليل شأن الأزهر الشريف فى نظر الناس فى مصر وخارجها. فالخوف هو أن يعتاد الناس صدور مثل هذه الأقوال من رئيس المؤسسة الموقرة، ويلصقونها بالمؤسسة نفسها بصرف النظر عن شخصية من يرأسها، وبالتدريج لا يتوقع الناس من فضيلة شيخ الأزهر شيئا أفضل من هذا. وهذا شىء لا يضر بالأزهر وحده، ولكن بالدين الذى يخدمه الأزهر، وبالدولة التى يوجد بها الأزهر.
ولكن الدهشة لا تقف عند هذا الحد. فشيخ الأزهر أبدى تسامحا غريبا مع بعض الإسرائيليين، فاشترك فى ندوة كان رئيس إسرائيل «شيمون بيريز» مشاركا فيها، وقام شيخ الأزهر بمصافحته. وعندما سأله أحد الصحفيين عن ذلك فى صيغة عتاب، أجاب شيخ الأزهر بأنه يصافح العدو، كما يصافح الصديق، قاصدا أنه يبدى التسامح مع الاثنين، وأن العداوة لا تعنى بالضرورة الجفاء والغلظة فى المعاملة. وهو كلام مدهش لأكثر من سبب. فهو لا يميز بين خصام بسيط وخصام شديد، بين عدو يظهر بعض الاستعداد للاعتراف ببعض حقوقك، وعدو شرس لا يبدى أى استعداد لهذا، كما أن شيخ الأزهر لا يميز بين مصافحة لا يترتب عليها أى أثر على حقوق مسلوبة، وبين مصافحة من رئيس أكبر مؤسسة إسلامية فى العالم تحقق نفعا مؤكدا لأكبر عدو للمسلمين فى الوقت الحاضر.
كما أن المرء لا يسعه إلا أن يقارن بين هذا التسامح، الذى يبديه شيخ الأزهر لرئيس إسرائيل، وبين هذه القسوة التى عامل بها فتاة مصرية صغيرة لم ترتكب أى إثم.
لا بد أن يتساءل المرء عن سر سكوت الدولة المصرية على مثل هذا السلوك من جانب شيخ الأزهر، وتركه فى منصبه مهما فعل ومهما قال. هل هذا الموقف من الدولة المصرية هو أيضا بند من البنود السرية المتفق عليها فى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل؟