النخب الساقطة فى «ثورة الغلابة»
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
سواء كان الإخوان وراء الدعوة لما يسمى بـ«ثورة الغلابة» فى 11 نوفمبر المقبل، أو أنهم بريئون منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فقد نجحت هذه الدعوة فى تحريك بعض الجمود فى حياتنا السياسية الآسنة، وأعادت طرح العديد من الأسئلة الساخنة ــ وإن لم تخل من بعض التشوش والارتباك ــ حول ضرورة تعديل المسارات غير الديمقراطية التى آلت إليها أحداث ثورة 30 يونيو، والتى تمثلت فى إطلاق يد الأمن فى تنظيم وهندسة شئوننا السياسية، وسلب المصريين حقهم فى التظاهر الذى انتزعوه ببسالة وبفاتورة غالية من الدم فى أحداث ثورة يناير، لأول مرة منذ ثورة يوليو 52.
التفسير الرائج لدى بعض نخب المعارضة من فصائل الليبراليين واليساريين وحتى من بعض رموز الإخوان، للغموض الذى يحيط بهذه «الثورة» و بهوية الداعين لها، وبقدرتها على تحقيق أهدافها، يرى أن أحد الأجهزة الأمنية هو المسئول عن هذه الدعوة، لتهيئة المناخ لإعلان المزيد من القرارات الإقتصادية الصعبة، والتى قد تشمل تعويم الجنيه، ورفع أسعار الوقود، وهو تفسير ــ على ما يبدو ــ يميل إلى التبسيط المخل فى فهم تفاعلات الغضب الذى يغلى فى صدور ملايين المصريين.
فبدلا من أن يؤكد هؤلاء المعارضون على الحق الدستورى الأصيل للمصريين فى التظاهر، قدموا للسلطة كل المبررات لسلبهم هذا الحق. وبدلا من أن يقدموا لجماهيرهم بدائل سياسية واقتصادية للسياسات الحكومية المعمول بها، ويبدون آراءهم فى الشعارات المنسوبة لهذه «الثورة» ومنها تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، اكتفوا بالحلول السهلة التى تدين ــ فى التحليل الأخير ــ أى تحركات شعبية تناهض سياسات السلطة، وبدلا من أن تناقش هذه النخب المعارضة مطالب هذه الثورة التى ترفع هذه الشعارات الراديكالية، لأول مرة منذ انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، ابتعدت هذه النخب عن التورط فى تحليل جدية هذه المطالب، أو حتى الأسباب التى دفعت الأمن إلى رفعها!
هذه النخب المعارضة اختارت أن تكون مجرد صدى للأصوات الحكومية التى يطالب بعضها بـ«تصفية» كل المشاركين فى هذه «الثورة»، ويطالب بعضها الآخر بفرض حالة الطوارئ، وكأن الحكومة وهذه النخب وجهان لعملة واحدة، يختلفان فى التفاصيل ويتفقان على الهدف، يلعبان دورين مختلفين لكنهما يشاركان فى مسرحية واحدة، بلا جمهور وبلا رغبة من أحد فى مشاهدتها.
وحتى لو افترضنا جدلا أن الأمن هو صاحب الدعوة لإشعال «ثورة الغلابة»، أو أن بعض عناصر المعارضة الإخوانية اطلقتها، ثم استغلها الأمن لتحقيق أهداف معينة، فإن موقف هذه النخب كان ينبغى ان يسهم فى بناء معارضة قوية ضد النظام، وفى قيادة أى تحركات جماهيرية عفوية أو حتى أى احتجاجات غير ناضجة، لتحقيق مكاسب ديمقراطية تفتح الأبواب الموصدة فى وجه أى ضغوط جماهيرية على السلطة، التى تنفرد باتخاذ القرارت المصيرية المؤلمة، بدون أى كوابح تلجمها عن رفع الأسعار، وفرض الضرائب، والانصياع التام لطلبات صندوق النقد، بالشكل الذى يحيل حياة ملايين المصريين إلى قطعة من الجحيم.
كان ينبغى على هذه النخب أن تقدم تصورات لأزماتنا السياسية التى نعانى منها منذ ثورة يونيو، وأن تقدم بدائل ديمقراطية لمشاكلنا الاقتصادية، بشكل يعيد الاعتبار لحق الشعب فى المشاركة فى صنع القرار، وفى اعطائه حقوقه المشروعة فى معارضة السلطة والتى يكفلها له الدستور.
أيا كانت هوية الداعين لثورة نوفمبر، وأيا كانت مآلاتها والتى قد لا تسفر عن أى أحداث جدية، فإنها قد نجحت فى إثارة تساؤلات مهمة حول ضرورة بناء معارضة حقيقية، تقينا حركات عفوية فوضوية لن تكون فى صالح أحد فى مصر!