فى أثناء مناقشة قانون الشباب فى مجلس النواب التى بدأت أمس نقلت وسائل الإعلام تصريحا ورد على لسان الدكتور على عبدالعال ــ رئيس المجلس ــ أن مصر يوجد بها 104 أحزاب سياسية، وهذا هو المصدر الحقيقى لصناعة السياسيين. هذا التصريح، فى رأيى ــ يندرج تحت باب التمنى أو «ما يجب أن يكون» وليس الكائن بالفعل. فى الخبرة الديمقراطية الأحزاب السياسية هى بالفعل مؤسسات تنشئة، وتكوين سياسى، وتقديم نخبة لتولى مسئولية المؤسسات العامة. باختصار هى مؤسسات صناعة سياسيين وفق التعبير المستخدم، ولكن فى مجتمعنا لم تعد الأحزاب منذ أكثر من ستة عقود مؤسسات صناعة سياسيين، وظلت مؤسسات الدولة البيروقراطية ــ والتشكيلات التى قامت حولها ــ هى المصدر الرئيسى للنخب التكنوقراط التى تتولى مواقع سياسية فى الجهازين التنفيذى والتشريعى. ولم يعد غريبا أن يأتى موسم الانتخابات ــ وهى الفترة الأكثر نشاطا فى حياة أى حزب ــ حتى نجد الأحزاب السياسية تبحث عن مرشحين من خارجها وليس داخلها، ونجد تحركات وتنقلات بين شخصيات من حزب لآخر، أو من قائمة لأخرى، وهو ما يؤكد أن قوة المرشح هى الأهم، وأن الأحزاب ليست إلا وكلاء فى الحياة العامة يلجأ إليها المرشحون، تماما مثل شركات الإنتاج فى المجال السينمائى التى قد تصنع نجما، لكنها فى أغلب الأحيان تعتمد على نجوم موجودين بالفعل فى الساحة.
التصريح بأن هناك 104 أحزاب سياسية يستحق الثناء لأنه يذكرنا بأن هناك هذا العدد الكبير من الأحزاب السياسية فى الساحة المصرية، وعلى الرغم من ذلك فإن المواطن المصرى المثقف، والمهتم بالحياة العامة يكاد يعرف عددا قليلا منها يعد على أصابع اليد الواحدة.. وجود هذا العدد الضخم، مع الشكوى المستمرة من قلة الكوادر التى تشغل المواقع العامة هو فى ذاته دليل إضافى على أن هذه الأحزاب ضعيفة من داخلها، ليس لها حضور خارجها، وليست إلا مقار فى المدن، وهى أضعف من حال الأحزاب قبل 25 يناير 2011م التى كنا نتندر عليها بأنها «صحف» تصدر «أحزابا»، إشارة إلى أن الناس تعرف صحيفة الحزب أكثر من الحزب ذاته. اليوم لم تعد هناك صحافة حزبية باستثناء عدد قليل جدا، وبالتالى لم تعد هناك أحزاب ولا صحف بالمعنى الذى كنا نتندر به فى السابق.
الحديث عن ضعف الأحزاب ليس جديدا، هناك كتب، ومؤتمرات، ورسائل علمية بالعشرات وضعت لتفسير هذه الظاهرة، والكل له نظريته، البعض يحيل ترهل الأحزاب لأسباب داخلها، والبعض الآخر يحيله لأسباب تتعلق بتجبر وهيمنة الحكومة. أيا كانت الأسباب فإن الساحة لم يعد بها حزب يمكن أن يشار إليه، وكل التجارب الحزبية خلال السنوات الماضية التى شهدت حراكا سياسيا واسعا آلت إلى ضعف وانزواء.
بالتأكيد نحتاج إلى دراسات تشخص حالة التردى التى بلغتها الأحزاب السياسية.. ما دور التسلط داخلها؟ سلاح المال؟ غياب الرؤية؟ ضغوط البيئة السياسية، الخ، حتى يمكن أن نفكر فى رؤية جديدة للأحزاب تكون فيها مصانع لتقديم سياسيين، خاصة من الشباب.