آلية تعديل حدود الكربون فى مواجهة التغيرات المناخية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة بسنت جمال، توضح فيه الأهداف المستقبلية من تطبيق الاتحاد الأوروبى آلية جديدة لخفض انبعاثات الكربون، وهى فرض رسوم على المنتجات المستوردة مرتفعة البصمة الكربونية والعمل بهذه الآلية حتى عام 2026، كذلك تناولت التأثيرات السلبية لهذا القرار على الشركاء التجاريين للتكتل الأوروبى من مختلف دول العالم.. نعرض من المقال ما يلى.
أطلق الاتحاد الأوروبى، أوائل أكتوبر الحالى، أول نظام فى العالم لفرض رسوم على انبعاثات ثانى أكسيد الكربون على المنتجات المستوردة مرتفعة البصمة الكربونية، كالحديد والصلب والأسمنت والألومنيوم والأسمدة، فى إطار محاولته لمنع المزيد من المنتجات الأجنبية الملوثة من تقويض محاولته للتخفيف من حدة التغيرات المناخية.
ومن المقرر أن يبدأ التكتل فى تطبيق الآلية بشكل فعلى حتى عام 2026، إلا أن هذا الإعلان يمثل بداية مرحلة أولية من آلية تعديل حدود الكربون (CBAMــ Carbon Border Adjustment Mechanism) عبر إلزام المستوردين فى الاتحاد الأوروبى بالإبلاغ عن انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن إنتاج السلع المذكورة سلفا لوضع المنتجين الأجانب على قدم المساواة مع صناعات الاتحاد الأوروبى التى يجب أن تشترى تصاريح من سوق الكربون فى الاتحاد الأوروبى عندما تساهم فى تلوث البيئة.
أهداف مستقبلية
يستهدف الاتحاد الأوروبى بإطلاق أول نظام فى العالم لفرض رسوم على انبعاثات ثانى أكسيد الكربون على المنتجات المستوردة عالية الكربون تحقيق الأهداف الآتية:
1ــ تعزيز التحول الأخضر: تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز عملية التحول إلى الطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55% خلال العقد الحالى مقارنة بالمستوى المسجل فى عام 1990 وتحقيق الحياد المناخى بحلول عام 2050، كما تخطط القارة الأوروبية لتصبح أول قارة محايدة للمناخ، ولذلك قررت فرض رسوم إضافية عند الحدود على الواردات التى لا تستوفى معايير الانبعاثات الخاصة بها بحلول عام 2026 مع وضع خطط لفرض ضريبة على سلع أخرى فى السنوات المقبلة مما يحفز الشركات المصدرة إلى الاتحاد الأوروبى للعمل على تقليل انبعاثاتها الكربونية لتجنب دفع الرسوم الإضافية.
2ــ دعم الصناعات المحلية: تستهدف الحكومات الأوروبية تعزيز قدرة الصناعات المحلية على الصمود أمام المنافسة مع المنتجات الرخيصة نسبيا المستوردة من دول لا تفرض رسوما على الانبعاثات الكربونية، حيث ضخت الشركات الأوروبية الكثير من الاستثمارات للتحول لمصادر الطاقة النظيفة والاعتماد على التقنيات الصديقة للبيئة، علاوة على دفع رسوم إضافية مقابل كل طن من ثانى أكسيد الكربون مما جعل منتجاتها أغلى نسبيا مقارنة بالدول الأخرى. وفى هذا السياق، تعمل آلية تعديل حدود الكربون على تقليل فروق الأسعار بين المنتجات المحلية ونظيرتها المستوردة ذات البصمة الكربونية المرتفعة، حيث ستدفع الشركات الأجنبية رسوم ثانى أكسيد الكربون تعادل ما تدفعه الشركات الأوروبية بالفعل فى سوق الكربون.
3ــ مواجهة تسرب الكربون: Carbon leakage تحاول الدول الأوروبية مواجهة خطر «تسرب الكربون» الذى يحدث حينما يتجه المصنعون المحليون لنقل الإنتاج لدول تتبنى معايير بيئية أقل صرامة تجاه قضية التغيرات المناخية، وهو أمر من شأنه أن يؤدى إلى زيادة فى إجمالى انبعاثاتها، وخسارة حصة من السوق لصالح المنافسين الأجانب، وتهديد فاعلية السياسات الهادفة لخفض الانبعاثات الكربونية العالمية، نظرا لإمكانية أن تشهد دولة ما انخفاضا فى انبعاثات الغازات الدفيئة بسبب نزوح الشركات الملوثة للبيئة، إلا أن هذه الخطوة قد تؤدى إلى زيادة الانبعاثات فى الدولة التى استقبلت تلك الشركات، مما يعنى أن إجمالى الانبعاثات العالمية قد يرتفع فى نهاية المطاف بسبب سياسات الدول المتشددة تجاه التغيرات المناخية، وهو الأمر الذى تحاول الدول الأوروبية منعه بفرض رسوم على انبعاثات ثانى أكسيد الكربون على قائمة من المنتجات المستوردة المرتفعة الكربون.
انعكاسات محتملة
من المرجح أن يترتب على قرار الاتحاد الأوروبى بفرض ضريبة كربونية على الحدود الانعكاسات التالية:
1ــ معارضة واسعة النطاق: واجهت آلية تعديل حدود الكربون معارضة من بعض الدول حول العالم بسبب احتمالية مساهمتها فى إنشاء حواجز تجارية حمائية، حيث ترى بعض الدول أن حجم صادراتها للاتحاد الأوروبى من السلع المذكورة أعلاه قد تتأثر بتطبيق تلك الآلية، حيث أعلن الأمين العام لاتحاد الحديد والصلب الصينى أن هذه السياسة يمكن أن ترفع أسعار صادرات الصلب الصينية إلى الاتحاد الأوروبى بنسبة تتراوح بين 4% و 6% عقب تطبيق تلك الآلية، فيما تحاول بعض الدول التى تفرض ضريبة على الكربون أن تحصل على إعفاءات، ودعا بعضها منظمة التجارة العالمية إلى تقييم تأثير التدابير المناخية الأوروبية على حجم التجارة العالمية.
2ــ تضرر الشركاء التجاريين: أطلق البنك الدولى مؤشرا لقياس مدى تعرض الشركاء التجاريين لآلية تعديل حدود الكربون من خلال استنتاج تكلفة شهادات الكربون المحتمل أن تقوم بشرائها الدول المصدرة للاتحاد الأوروبى، بافتراض أن سعر الكربون يبلغ 100 دولار للطن، وبحساب عدد أطنان الكربون الصادرة عن إنتاج كل وحدة من السلع المصدرة، وضربها فى القيمة الإجمالية للصادرات للحصول على التكلفة الإجمالية المحتملة للشهادات. ومن المرجح أن يكون التأثير أشد على أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبى، روسيا والصين والمملكة المتحدة وتركيا وأوكرانيا والهند وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وفقا لتقرير صادر عن مركز أبحاث «كارنيجى» فى وقت سابق من هذا العام.
وعلاوة على ذلك، قد تتأثر الدول الشريكة الأخرى التى يعتمد اقتصادها على تصدير سلع معينة للاتحاد الأوروبية، مثل موزمبيق، التى تعد من أكبر مصدرى الألومنيوم إلى الاتحاد الأوروبى، حيث ترسل أكثر من نصف منتجاتها من الألومنيوم إلى الكتلة، والتى تشكل 7% من ناتجها المحلى الإجمالى، وفقا للمفوضية الأوروبية، وبالنسبة لهذه البلدان، فإن تعرضها لآلية تعديل حدود الكربون سيكون مؤثرا على نموها الاقتصادى نظرا لاعتمادها الأكبر على هذه الصادرات كمحرك لاقتصاداتها، وقدرتها المحدودة على تحمل تكاليف الامتثال مثل مراقبة الانبعاثات ورصدها.
3ــ مضاعفة الجهود العالمية لمواجهة التغيرات المناخية: من ناحية أخرى، فمن الممكن أن تحفز آلية تعديل حدود الكربون الدول الأخرى على إجراء مباحثات ثنائية أو متعددة الأطراف حول الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة التغيرات المناخية، مع تشجيع الصناعات على تبنى تقنيات صديقة للبيئة، على أن يستخدم الاتحاد الأوروبى الإيرادات المتولدة عن تلك الآلية فى التمويل الأخضر العالمى، حيث من المتوقع أن تولد ما يتراوح بين 1.5 و 3.1 مليار يورو (1.6 إلى 3.4 مليار دولار) من الإيرادات الإضافية المحتملة.
ختاما، يتبين من التحليل السابق أن الاتحاد الأوروبى يستهدف بآلية تعديل حدود الكربون مواجهة ظاهرة تسرب الكربون، ودعم عملية الانتقال إلى الطاقة المتجددة، إلى جانب تعزيز قدرة الصناعات المحلية على مواجهة المنافسة الأجنبية؛ إلا أن تلك الآلية قد يترتب عليها نتائج سلبية للشركاء التجاريين للتكتل الأوروبى من دول العالم المختلفة، خاصة تلك التى لا تضع قيودا على انبعاثاتها الكربونية.

النص الأصلى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved