العدوان الإسرائيلى على غزة.. فشلٌ على طول الخط
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 24 نوفمبر 2012 - 8:30 ص
بتوقيت القاهرة
عندما اعتدت إسرائيل على غزة منذ ما يقرب من أربع سنوات، لم يتأخر مجلس الأمن الدولى كثيرا فى الدعوة إلى وقف فورى ودائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل لإسرائيل من القطاع. جاء ذلك فى صورة قرار المجلس رقم 1860 فى 8 يناير 2009 الذى أيدته 14 دولة عضو بالمجلس، وحتى الولايات المتحدة لم تعترض على القرار، إنما امتنعت عن التصويت عليه انتظارا لنتائج مجهودات كانت تقوم بها مصر.
ومع ذلك اعتبرت وزيرة الخارجية الأمريكية حينئذ كوندوليزا رايس القرار خطوة فى الاتجاه الصحيح. وللتذكرة فإن جورج بوش الابن كان حتى ذلك الحين فى سدة الحكم. جرى ذلك فى نيويورك، وفى جنيف، وفى نفس اليوم، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بإدانة الأعمال العسكرية الإسرائيلية وطالب بأن تسحب إسرائيل قواتها، وأن ترفع حصارها الذى تفرضه على القطاع، وبضرورة توفير الحماية الدولية الفورية للشعب الفلسطينى. قرر أيضا المجلس إيفاد بعثة دولية مستقلة لتقصى الحقائق والتحقيق فى انتهاكات القانون الدولى. بالفعل أعدت اللجنة تقريرا مدويا تم إقراره من المجلس. ومن بين توصياته التى رفعها لمجلس الأمن إحالة الوضع فى غزة إلى مدعى المحكمة الجنائية الدولية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إذا امتنعت إسرائيل عن إجراء تحقيقات مطابقة للمعايير الدولية.
إذن كانت هناك انتفاضة دولية منذ أربع سنوات ضد العدوان الإسرائيلى. فيا ترى ما أسباب التقاعس الدولى الذى نشهده حاليا تجاه العدوان الإسرائيلى على غزة الذى بدأ يوم 14 نوفمبر الجارى. لا أعتقد أن السبب فى ذلك يرجع إلى أن إسرائيل قد اكتسبت أرضيه جديدة متعاطفة معها خلال هذه الفترة، بل ربما العكس هو الصحيح. فعلى سبيل المثال توترت علاقات إسرائيل بتركيا، وساد البرود علاقات أوباما برئيس وزراء إسرائيل، وأدانت الدول الأوروبية استمرار النشاط الاستيطانى الذى أدى إلى تجميد عملية السلام. أعتقد أن من بين أسباب تقاعس الدول عن الوقوف فى وجه العدوان الإسرائيلى هذه المرة، ما ترتكبه الدول العربية فى حق أنفسها، وامتناعها عن استخدام ما تحت أيديها من أدوات وإمكانيات لضمان استمرار التأييد والدعم الدولى لقضاياها.
وجدنا أن الرئيس الأمريكى أوباما يتحدث هذه المرة عن حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس فى مواجهة صواريخ حماس، وما لبث الزعماء الأوروبيون أن حذوا حذوه، وكرروا عباراته، علما بأن الرأى القانونى مستقر على أن إسرائيل ــ باعتبارها دولة احتلال ــ لا يحق لها الاستناد إلى حق الدفاع عن النفس المقرر بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، وذلك فى مواجهة أعمال المقاومة المشروعة للاحتلال.
●●●
على أية حال، وبعد مرور خمسة أيام على بدء العدوان الجديد على غزة، بدأت اللهجة الأمريكية والأوروبية فى التغير بعض الشىء. تحدث أوباما وهو فى تايلاند يوم 18 نوفمبر الجارى عن أفضلية عدم قيام إسرائيل بعملية عسكرية برية فى غزة، وذلك لمصلحة سكان غزة ولمصلحة القوات الإسرائيلية نفسها التى ستتعرض لخطورة وقوع ضحايا فيما بينها، أو تعرضها لإصابات، وها هو يقوم بإيفاد وزيرة خارجيته على عجل للمنطقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويجرى ستة اتصالات هاتفية مع الرئيس المصرى حتى تم التوصل لوقف اطلاق النار مساء يوم 21 نوفمبر الجارى.
بقى أن نحاول التعرف على الأسباب الحقيقة التى دفعت إسرائيل للقيام بهذه المغامرة الأخيرة. فى تصورى أن هناك الكثير من العوامل التى دفعت إسرائيل دفعا لارتكاب هذه الحماقة الجديدة:
●لا شك أن إسرائيل قد بدأت فى الشعور بقلق متزايد إزاء الدعم العربى المتزايد لغزة سواء فى ضوء قنوات الاتصال المفتوحة بين القيادة المصرية والقيادات فى حماس، وفتح مصر لمعبر رفح على مدار الساعة، أو بعد زيارة رئيس دولة عربية وهو أمير قطر لغزة وتقديمه معونات تصل إلى أربعمائة مليون دولار، وما ذكر حول الاتفاق مع مصر على دخول مواد البناء ــ التى تحرمها إسرائيل على أهل غزة ــ من دخول القطاع عن طريق المعبر المصرى.
● اتصالا بذلك، لاحظت إسرائيل تنامى القدرات الصاروخية لحماس وفصائل المقاومة، الأمر الذى أثبتته الأيام الأخيرة ووصول الصواريخ الفلسطينية إلى تل أبيب والقدس الغربية، بل إلى هيرتزيليا، التى تبعد حوالى 80 كم عن غزة! ومن هنا جاءت الهجمات التى شنتها إسرائيل فى السنوات الماضية على قوافل تدعى أنها تنقل السلاح عبر الأرضى السودانية، كذلك تدمير المصنع الحربى فى الخرطوم مؤخرا، والذى تقول إسرائيل أنه يقوم بإنتاج بعض أنواع السلاح لحساب إيران.
● وعطفا على موضوع إيران، فمما لاشك فيه أن نتنياهو قد فشل فشلا ذريعا فى إقناع الولايات المتحدة بشن ضربة استباقية على إيران لإجهاض برنامجها النووى العسكرى المزعوم. لم يستجب أوباما لطلب رئيس وزراء إسرائيل بالإعلان عن خط أحمر لا يسمح لإسرائيل تجاوزه فى هذا الشأن. وعلى الجانب المقابل فوجئت إسرائيل بنجاح إيران بالتعاون مع حزب الله فى إرسال طائرة بدون طيار لرصد إحداثيات مفاعل ديمونة الذى اعتقدت إسرائيل حتى ذلك الوقت أنه محصن تماما ضد أية اختراقات.
● الخسارة التى منى بها نتنياهو بعد فشل ميت رومنى وفوز أوباما بمنصب الرئاسة الأمريكية. راهن رئيس وزراء إسرائيل على رومنى ولم يخف تحيزه له أثناء المعركة الانتخابية. وبالرغم من كل ما يصدر عن أوباما حاليا من محاولات تبرير العدوان الإسرائيلى على غزة، فإن نتنياهو يعلم يقينا أن الرئيس الأمريكى لن يغفر له تحديه فى كل القضايا التى سعى أوباما لدفعها قدما، سواء تعلق ذلك بالعملية السلمية فى الشرق الأوسط، أو التوقف عن النشاط الاستيطانى، أو ضرورة الانسحاب إلى خطوط 4 يونيو 1976، بالإضافة إلى طريقة معالجة الملف النووى الإيرانى، أيضا سعى أوباما لإشراك إسرائيل فى المؤتمر الذى سيعقد فى هلسنكى لبحث إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. واتصالا بذلك فلا أتصور أن نتنياهو قد سره كثيرا تصويت 70% من الجالية اليهودية فى الولايات المتحدة لصالح أوباما فى الانتخابات الأخيرة، وأن 82% من اليهود الأمريكيين إنما يؤيدون حل الدولتين، بل وإن 76% منهم يدعون إلى قيام الرئيس الأمريكى بالتقدم بخطة سلام متكاملة لحل النزاع فى الشرق الأوسط!
●●●
● أثبتت استطلاعات الرأى فى إسرائيل أن التحالف الجديد بين «الليكود» وحزب «إسرائيل بيتنا» يشير إلى إمكانية خسارة الحزبين لعدد من المقاعد فى انتخابات الكنيست المقبلة، وليس الاستحواذ على المزيد منها. وبالتالى تصور نتنياهو أن عملية عسكرية ناجحة ضد حماس قد تعيد الثقة فيه وفى حزبه، أو تسوق للتحالف غير المقدس الجديد. والسؤال هنا هو هل ما سببته صواريخ حماس من هلع، وخسائر بشرية ومادية، فى عموم إسرائيل، والتكاليف المادية الباهظة التى أنفقت على عملية الاستنفار العسكرى، ستأتى بالنفع على نتنياهو فى المعركة الانتخابية القادمة، أم ستأتى بنتائج عكسية؟ وهل قبول إسرائيل لوقف إطلاق النار، فى الوقت الذى فشلت فيه فى القضاء على قدرات حماس الصاروخية، كان هو كل ما استهدفته إسرائيل من عدوانها؟ «ضعف الطالب والمطلوب» صدق الله العظيم.
● قلق إسرائيل من الخطوة الفلسطينية التى ستخطوها السلطة يوم 29 نوفمبر الجارى الرامية إلى رفع مكانة فلسطين فى الأمم المتحدة إلى دولة غير عضو.
●●●
● وأخيرا وليس آخرا، فربما أرادت إسرائيل اختبار الموقف المصرى بعد الثورة، ورد الفعل المصرى تجاه الأحداث. لقد كان لإسرائيل ما أرادت، وجاء الرد المصرى حاسما وقويا، كما جاء الموقف الشعبى داعما ومجلجلا.