التضامن الانتقائى
سلام الكواكبي
آخر تحديث:
السبت 24 نوفمبر 2012 - 8:30 ص
بتوقيت القاهرة
مع عودة أعمال القتل ضد فلسطينيى قطاع غزة، والتى أدت إلى سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى وتدمير هائل، عاد الشارع الثقافى العربى إلى الحياة مجددا وخرجت الأصوات والأقلام التى تنادى بالتضامن والشجب والتنديد لما تقترفه يد العدوان الآثم بحق شعب أعزل وبحق مقاومة شرعية ضد الاحتلال.
وكذا، سارع اليسار الأوروبى إلى تنظيم التظاهرات التى تدعو إلى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة. وامتلأت ساحات الجامعات بالتجمعات الطلابية التى توزع الصور والأخبار عما يحصل. وبالنسبة لشبكات التواصل الاجتماعية، فقد كان هذا الحدث هو الأكثر تعليقا من قبل جموع المتضامنين. وقد أعطى هذا التوجه شيئا من الرضى لمن يراقب بغضب جمود العمل العربى المشترك والأدوار الهامشية التى تلعبها المنظمات الإقليمية والدولية فى نصرة الشعب الفلسطينى ومحاولة وقف العدوان عليه.
لقد استل بعض مثقفينا سيوف النص المنمق ليكتبوا عن مشاعرهم حيال قصف غزة معبرين عن موقفهم الواضح من تصرفات هذا العدو الغاشم التى لا تجد رادعا لها من قبل مجتمع دولى منافق. وتوالت الملاحظات السياسية التى استندت إلى طبيعة النظام الإسرائيلى المتعطش للحروب من أجل تعزيز لحمته الداخلية وإلى رغبة مجرم الحرب نتنياهو فى تعزيز فرصة فى الانتخابات القادمة. عادت الحياة إذا إلى الأقلام التى رافقت نضال الشعب الفلسطينى لقناعة صادقة مرتبطة بقوالب أيديولوجية ومناهضة للإمبريالية وإنسانية، أو لمنفعة، كونها كانت تتلقى أموالا ممن يتاجرون بالقضية كصدام حسن أو معمر القذاقى.
●●●
لقد أتت الحرب المتجددة والمسعورة على غزة، كحجة مناسبة أو كجائزة ترضية لمن فاته قطار الالتزام الاخلاقى والإنسانى والتقدمى ونأى بنفسه عن التضامن مع شعب سوريا الذى يسقط المئات منه يوميا منذ قرابة العشرين شهرا. واستغل كثيرون ممن لاذوا بصمت مريب ومطبق حيال المأساة السورية هذا الحدث الجلل وأعادوا انتاج خطابهم الصادق أحيانا والمتلاعب أحيانا أخرى. وبالمطلق، يعتبر هذا خيارا إنسانيا وعقائديا لا غبار كثير عليه. بالمقابل، كان من الجارح للمعنيين من السوريين بأن ينحرف هذا الخطاب ليكون توجيهيا واتهاميا أيضا فيما يتعلق بتبرير التضامن الانتقائى ورفض التعبير عنه فى الشأن السورى ولو كلاميا، وهى رياضة المثقفين المفضلة، بحيث بدأت أحكام القيم والنوايا فيما يخص الثورة السورية واعتبارها أو اتهامها بأنها احتجاجات مسيرة من قبل قوى خارجية (إمبريالية، صهيونية، ماسونية، قاعدية، إلخ) وهدفها زعزعة نظام «المقاومة والممانعة».
●●●
إن التضامن الصادق مع شعب غزة ومع فلسطين عموما وقضيتها العادلة يعتمد أساسا على الإيمان بوزن عاملى الحرية والكرامة فى بناء الفعل السياسى المؤثر. والتضامن الانتقائى والمقولب أيديولوجيا لا يحمل للقضية إلا الكلام، وربما هذا هو الهدف، فالكلام المكرر ذخيرة لا تنضب لمن أجل مساءلة موقفه. من باع الفلسطينيين الكلام وتركهم لمصيرهم، يترك السوريين لمصيرهم دون حتى أن يبيعهم الكلام.