الاستثمارات العربية في مصر
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 24 نوفمبر 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
جذب الاستثمارات الأجنبية هى الشغل الشاغل فى الوقت الراهن لكثير من النظم السياسية.
فالدول المختلفة تسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، أملا فى دعم اقتصاداتها. فإلى جانب الصادرات وتحويلات المواطنين من خارج بلدانهم، والتصنيع بغرض التصدير، وكذلك دعم الأنشطة السياحية، (إلى جانب كل ذلك) تعتبر الاستثمارات الأجنبية واحدة من أهم مناحى دعم الاقتصادات الوطنية فى أية دولة.
فى مصر، سعت أنظمة الحكم على اختلافها لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية، لاسيما بعد بدء سياسة الانفتاح الاقتصادى، وقد مرت القوانين المصرية بعديد السياسات لجذب الاستثمارات فى عهود رؤساء مصر من السادات إلى السيسى. ولم تختلف السياسات الاقتصادية فى تلك العهود عن الرغبة فى جذب الاستثمار العربى والأجنبى، ومنحه الأولوية باعتباره قاطرة الاقتصاد.
وعلى الرغم من أن الظروف الدولية شكلت أحيانا كثيرة معوقات لسياسة جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية فى مصر وبلدان المنطقة، إلا أن تلك السياسة استمرت، وتناسب تشجيعها طرديا مع منح المزيد من التسهيلات للمستثمرين. هنا كانت حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة وأسعار النفط التى تدهورت نتيجة الظروف الأقليمية فى الأغلب الأعم، كلها كانت ظروف محبطة للمناخ الجاذب للاستثمار الأجنبى عامة والعربى خاصة. لذلك كانت الاستثمارات الصادرة من بعض البلدان العربية، وكذلك الاستثمارات الأجنبية تتجه خارج المنطقة العربية.
اليوم بدأت الكرة تدور عكسيا، الحرب الروسية الأوكرانية مشتعلة، وغير منتظر أن تهدأ قريبا، زد على ذلك أن أوروبا تعيش أزمة غير تقليدية فى الطاقة، يبدو أنها لم تعشها منذ أزمة الطاقة عشية حرب أكتوبر1973. هذان الحدثان، الحرب وأزمة الطاقة، لا يعتقد ــ بسببها ــ أن البلدان الأوروبية الأكثر تقدما، سوف توجه استثماراتها إلى البلدان الأكثر احتياجا، خاصة ما كان يسمى منها ببلدان أوروبا الشرقية، والمنضمة عقب انهيار الاتحاد السوفيتى إلى الاتحاد الأوروبى.
بالمقابل، ولذات الأسباب المتصلة بالحرب، ومناخ انعدام الاستقرار والأمن بأوروبا، ستجد البلدان العربية ذات الفوائض المالية الكبيرة متجهة إلى مصر باعتبارها وجهة جيدة لتدفق الاستثمارات الخارجية، لا سيما بعد تطوير شبكة الطرق.
من هنا أصبح المجال رحبا فى مصر لاستقبال استثمارات عربية جديدة. لكن السؤال هل من أمور يجب أخذها بالاعتبار عند استقبال تلك الاستثمارات؟
أولا، من المهم أن تؤكد الحكومة وتعلن دوما عن مجالات الاستثمارات المرحب بها، والمرغوب فى استقبالها. فهى الأكثر دراية من غيرها فى تحديد تلك المجالات. أما الأطراف الأخرى المصدرة للاستثمارات فعليها أن تختار بين تلك المجالات. بعبارة أخرى، لا يجب أن تقوم الجهات المصدرة للاستثمارات بإجبار الطرف المستقبل عن الاستثمار فى مجال ما، لا يرغب هذا الطرف فيه؛ لأن هذا المجال إما أنه لا يحتاج، أو أن السوق المصرية يكتفى منه، أو أن الظروف الأمنية أو الاقتصادية تمنع ذلك. هنا نشير مثلا إلى أن مجالات الأسمنت والأسمدة والمياه المعدنية وشركات توزيع البترول وغيرها من مصادر الطاقة يجب أن تدرس جيدا من قبل الحكومة، قبل أن يفتح فيها باب الاستثمار الخارجى، حتى ولو كان عربيا.
الأمر الثانى، يتحتم رغم الدعوة إلى دعم الاستثمارات عموما والعربية والأجنبية عموما أن يؤخذ بعين الاعتبار الأمور المتصلة بجنسبة تلك الاستثمارات، بمعنى أنه كلما كان مجال ونشاط الاستثمار حساسا من وجهة نظر الأمن القومى المصرى، كلما شكل احتكاره من قبل غير المصرى مشكلة، كما يجب أن تأخذ الدولة حذرها الشديد فى عقود تلك الاستثمارات العربية حتى لا تباع مستقبلا لجنسيات غير مرغوب فيها على الإطلاق، خاصة ما يتصل بإسرائيل، وعلى وجه الخصوص ما يتصل بالأنشطة الاستثمارية فى شرق قناة السويس.
الأمر الثالث، أن الاستثمارات العربية والأجنبية يجب رغم التسهيلات الكثيرة التى مررت القوانين المصرية على أن تمنحها للمستثمرين العرب والأجانب، أن تسدد الضرائب المستحقة عليها، إذ من غير المقبول فرض ضرائب كبيرة على الأنشطة التجارية والاستثمارية المحلية وإعفاء العربية والأجنبية على الدوام.
الأمر الرابع، طالما كانت العمالة المصرية فى المشروعات الاستثمارية العربية (والأجنبية أيضا) هى حجر الزاوية من قبول تلك الاستثمارات، فيجب العمل الحكومى دوما على ضمان الحقوق التأمينية للعمال والحقوق المرتبطة بظروف العمل.
الأمر الخامس، ما دام الغرض من الاستثمارات العربية (والأجنبية كذلك) دعم الاقتصاد المصرى، إذن يجب النظر بعين الاهتمام دائما لحجم تصدير الأمول الناتجة عن تلك الأنشطة الاستثمارية إلى خارج مصر، بحيث لا يقتصر استفادة مصر منها على تشغيل العمالة فقط. هنا يجب عموما استغلال وتشجيع المنافسة بين المصادر العربية المختلفة للسوق المصرية، للاختيار فيما بينها، ولكى يحصد اقتصاد مصر أكبر المكاسب.