استقال المُقال

أحمد الصاوى
أحمد الصاوى

آخر تحديث: الإثنين 24 ديسمبر 2012 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

كان محمود مكى جزءًا من الصدمة.

 

القاضى الصامت على انتهاك القضاء، الذى كان «مستقلا» فى وجه نظام مبارك، وصار جزءا من نظام يمارس ما كان يعترض عليه، ويشارك بمسئولية أو عبر الصمت فى ارتكاب ما سبق وثار واعتصم عليه من خطايا، وخرج يبرر ويراوغ، يستحضر أعذارا من هنا، وحججا من هناك، ينكر وهو يعلم أنه لا يقول الحق، يكسر ميزان العدل مطمئنا لحسن النوايا، وهو القاضى المهنى الذى لا يجب أن يكتفى بالنوايا عن الوقائع.

 

اكتشف محمود مكى فجأة، قبل ساعات من تمرير الدستور الذى لا يمنح لموقعه الوظيفى أى ظهير، أن العمل السياسى لا يتناسب مع تكوينه كقاض، والحقيقة أن تكوينه كقاض فقط كان أهم الإشارات الإيجابية التى وصلت للمتشككين العارفين للجماعة المراوغة المتبدلة، لم يطلب منه أحد أن يكون سياسيا فى القصر، كان المطلوب منه أن يبقى قاضيا ويظل قاضيا، يقول الحق، ويفصل بين الناس بالعدل، كانت تلك إحدى الضمانات القليلة فى مؤسسة الرئاسة.

 

لكن الرجل فشل تماما أن يبقى قاضيا، أو حتى شاهد عدل، كان عليه أن يعترف بذلك وهو يصدر بيانه لرأى عام مصدوم تماما فيه، عاش أشهره القليلة فى القصر كسياسى وليس قاضيا، ويا ليته كان سياسيا فاعلا، لكن كل الشواهد والنوازل والقرارات التى كان يخرج ليقول إنها صدرت دون استشارته أو العرض عليه بما فيها إعلان دستورى ينتهك القضاء ورفضه علنا وبوضوح، تثبت أنه كان ديكورا، والأكثر صدمة أنه قبل ذلك، فخرج فى أكثر من أزمة يبرر حسن النوايا، ويشرعن الأخطاء، وفى النهاية يتوعد الضعفاء أن البقاء للأقوى.

 

ما لم يدركه مكى أو أدركه متأخرا جدا، أو بسيف تمرير الدستور، أنه حين كان قاضيا، كان ورفيق دربه هشام البسطويسى مناضلين لديهما ذات المبادئ القانونية والقضائية، لكن السياسة فرقت بينهما ليس إنسانيا قطعا لكن فى المواقف الأساسية من قضية استقلال القضاء التى تشاركا النضال من أجلها، خرج مكى وشقيقه وكبيرهم الذى علمهم الاستقلال حسام الغريانى، ورفيقهم فى الخطابة زكريا عبدالعزيز يدافعون عن سياسات سبق ورفضوها، يقبلون عزل القضاة، وانتهاك الاستقلال، يقبلون الشبهات والتجاوزات فى صناديق طالما ناضلوا من أجل نزاهتها، يقبلون إشراف غير القضاة على الصناديق، وهم اللذين أصدروا الأحكام من قبل ببطلان إشرافهم، يقولون فى نادى القضاة ما كان يقوله فيهم فتحى سرور ومفيد شهاب، يهددون المعارضين بالتفتيش والصلاحية كما كانوا يُهددون من قبل، يقولون الشىء ونقيضه، يشرعنون البطش والتنكيل والتهديد والوعيد بشريعة البقاء للأقوى.

 

استقال المُقال بحكم الدستور محمود مكى من مكانه فى ديكور المسرح، والمٌقال بحكم التاريخ الذى لا يرحم، لن يحزن عليه من برر لهم أفعالهم لأنهم يعلمون أن مصداقيته التى حاولوا الاستفادة منها تآكلت، قال إنه قدم استقالته قبل شهر، لكن الرئاسة التى تكذب أكثر مما تعمل نفت ذلك فى حينه، وخرج بيان المستقيل بالأمس ليثبت عليها وعلى متحدثها الكذب من جديد.

 

لا تغير السلطة الأشخاص.. هى فقط تظهرهم على حقيقتهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved