«وا إسلاماه»
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 24 ديسمبر 2021 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
شاهدت كثيرا وعلى مدى 60 عاما وقائع فيلم «وا إسلاماه» إخراج اندرو مارتن فى أعمار مختلفة وكلى شغف وإعجابا بالقصة والإخراج المتميز والنجوم الكبار والجو التاريخى دون أن يقل اعجابى بالفيلم فى أى مرة، فمن منا لا يحب الانتصار لبلده وسط تاريخ طويل شح فيه ولكن بالأمس فقط شاهدت الفيلم واكتشفت منظورا جديدا لا يخفى على ولكنه حاضر، والفيلم تدور احداثه حول اثنين من الامراء فى أواسط قارة آسيا يهربون مع شيخهم الكبير بعد أن مات أبوهم السلطان على أيدى رجال التتار يطاردهم رجل يود أن يقتل الاميرة جلنار كى يفوز هو بعرشها او عرش بيها، ويصل الطفلان أبناء العم إلى مصر ويتم بيعهما إلى الأغنياء وأصحاب السلطة ويصيران من المماليك بعد أن يفترقا حيث يصبح الولد شابا مملوكا لواحد من أصحاب السلطة الطامع فى الزواج من الملكة، أما جلنار فإنها تباع إلى الحريم، وعندما يأتى رسول هولاكو ويطلب من المصريين تسليم مصر بدون شروط يكون كل أصحاب السلطة الكبرى قد ماتوا مقتولين، نتيجة الدسائس والمؤامرات مثل الملكة شجر الدر، ويدور الحوار الشهير بين رسول التتار وبين المماليك حول من هو صاحب الكلمة، فإذا بالمملوك محمود يعلن نفسه حاكما على مصر دون الرجوع إلى أحد ويقول للرسول «أنا أتكلم باسم شعب مصر»
شعب مصر
ترى أى شعب يتكلم عنه المملوك القادم من أوساط آسيا الأجانب عن مصر.
للأسف لا يوجد امامنا سوى المماليك ولا يوجد شعب مصر فى الفيلم.
يجب الإشارة إلى ان مؤلف القصة على احمد باكثير هو اقرب إلى هذا المملوك، فهو قادم إلى مصر من خارجها حيث ولد فى اليمن من اسرة حجازية، وعاش سنوات طويلة فى اندونيسيا قبل ان يأتى إلى القاهرة ويلتحق بجامعتها ويتخرج فيها ثم يكتب فى الادب فى اعمال معظم ابطالها من خارج مصر مثل الشيماء ومثل مسرحية مصرية بعنوان جلفدان هانم، أى أن الكاتب نظر إلى شعب مصر سواء فى رواياته او مسرحياته كأنه كائن غير موجود، وأن السيادة فقط للغرباء الذين توافدوا على مصر فى عصور متعاقبة، ولم نرَ فى الرواية او الفيلم شخصية واحدة مصرية من الشعب تختلط وسط هؤلاء الأجانب المميزين الذين بلغوا أقصى مكان فى السلطة، ولا نعرف كل هؤلاء الجنود المشاركين فى المعركة هم الشعب المقصود ومتى تتدرب وأين لمواجهة جيوش التتار ولماذا وقفت جلنار تهتف باسم وا إسلاماه وقد تناست تماما ان الشعب المحارب هم المصريون.
يجب أن نرى الفيلم بمنظور جديد، فهو لا يحتقر الشعب المصرى رغم الكلام المهيب عنه ولكنه يزيله من التاريخ، وكأن مصر والقاهرة هما مجرد مكان لهجرة الأجانب واستعمارها والإقامة بها، ويجب ان يعرف المشاهد ماذا حدث بين الصديقين قطز والظاهر بيبرس بعد نهاية المعركة مباشرة حيث قام احدهما بقتل زميله ليكون حاكما لمصر، فقط من اجل السلطة ولعل الشخص المصرى الوحيد هذا اذا كان بالفعل من مصر هو الشيخ عز الدين بن عبدالسلام شيخ الازهر فى تلك الفترة ولا نعرف هل هو مصرى صميم، لكن ما نعرفه ان دوره كان ثانويا جدا قياسا للشيخ سلامة القادم من بلاد المغول للمشاركة فى حكم مصر وقيادة المعركة.
نؤكد مرة أخرى أن الحكام الذين كانوا من المماليك فى الفيلم قد جاءوا فى أعمار متعددة من خارج بلادهم يتكلمون لغتها الآسيوية وغيرها، ومع هذا فإن أبطال الفيلم فى هذا الجزء مثل السلطان الآسيوى وابنته والشيخ سلامة كلهم يتكلمون اللغة المصرية العامية بطلاقة شديدة، وهو أمر يبعث على الضحك.
من المهم الإشارة أن منتجا مصريا حقيقيا كان وراء إنتاج الفيلم وهو فى تلك الفترة كان قد أعلن إسلامه للزواج من بطلة الفيلم وقام بتحديد ميزانية كبيرة من أجل أن يظهر العمل بهذا الشكل المشرف دون أن ينتبه إلى هذه الأمور الصغيرة الكبيرة فى الموضوع، وهو نفس الامر الذى تجاوزه كتاب السيناريو أما مسألة الاستعانة بمخرج أجنبى، خاصة فى المعارك الكبيرة، أسوة بفيلم سبارتكوس فلا نعرف كيف استوعب الحكاية، فهو على المستوى الحرفى أدار المعركة بمهارة، وكان النجوم فى أحسن حالاتهم ايتداء من احمد مظهر وحسين رياض ولبنى عبدالعزيز وتحية كاريوكا وبقية الطاقم.
السؤال هو هل كان يجب على متفرج محترف من النقاد أن ينتظر 60 عاما ليكتشف تفاحة نيوتن المعلقة فى هذا الفيلم بأنه فيلم عن انتصار الإسلام، وليس فيلم عن هزيمة المغول على أيدى جنود الشعب المصرى كل هذه أسئلة تطرح نفسها بعد هذا العمر الطويل وقط تتناثر الأسئلة مع الزمن ليبقى الفيلم ليؤدى رسالته المقصودة، وهى أن غير المصريين جاءوا إلى مصر وأقاموا فيها وحققوا لها النصر الذى لم يتحقق من أى حكام آخرين، علما بأن ما قرأته عن هذا التاريخ أن الجيش التترى لم يكن فى أعظم أحواله فى المعركة وذلك بسبب عودة هولاكو إلى بلاده بحثا عن ميراث فى عرش بلاده بعد وفاة الحاكم الشرعى للبلاد.