الصراع العربي الصهيوني من منظور علم الآثار والتاريخ
سامح مرقص
آخر تحديث:
الأحد 24 ديسمبر 2023 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
من الغريب فى التعامل مع الصراع العربى الصهيونى هو إهمال مناقشة الجذور العقائدية التى قامت عليها دولة إسرائيل، والتى تتناقض مع الحقائق العلمية وفقا لعلم الآثار والتاريخ، الذى يعتمد على الحفريات والوثائق والسجلات التاريخية والنقوش القديمة والتنقيب فى المواقع الأثرية.
هذه الحقيقة الغائبة ينبغى أن تكون محور الحوار حول الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.
يقدم هذا المقال ملخصًا لتاريخ الشعب اليهودى وإيمانه وفقًا لمصادر أكاديمية موثوقة، بما فى ذلك مراكز الأبحاث الإسرائيلية.
يرتبط تاريخ اليهود ارتباطًا وثيقًا بتاريخ كنعان (منطقة تضم فلسطين وسوريا وغرب نهر الأردن) والدول المجاورة (العراق وسوريا ولبنان ومصر وجنوب تركيا وشمال الجزيرة العربية)، ويأتى اسم «كنعان» من مصطلح استخدمه قدماء المصريين «كى. نا. آه. نا» للإشارة إلى رعاياهم الكنعانيين.
كشفت التنقيبات عن وجود مجتمع مستقر فى كنعان حوالى 8000 عام قبل الميلاد، ولكن الاستيطان الأكثر انتشارا حدث بعد ألفى عام مع وصول قبائل من شمال غرب العراق أطلق عليهم اسم الشعوب السامية، وهذا مصطلح خاطئ لوصف الشعوب التى تستخدم إحدى اللغات السامية (الأكادية، البابلية، الآشورية، الكنعانية، الفينيقية، الآرامية، العبرية، السريانية، والعربية)، لأنه لا يوجد بينهم سمات مشتركة سوى اللغة.
استطاعت مصر السيطرة على كنعان من 1550 إلى 1200 عام قبل الميلاد، وفى هذه الفترة نزحت شعوب أخرى مثل الأموريون من شمال سوريا والحوريون من تركيا إلى كنعان، ومع ضعف السيطرة المصرية، ظهرت مملكة إسرائيل القوية اقتصاديا فى الشمال، ومملكة يهوذا Judea وبها القدس والهيكل الأول فى الجنوب، وكانت أقل تقدمًا وذات كثافة سكانية ضعيفة، وظهر اسم «إسرائيل» لأول مرة فى مصر القديمة فى لوحة مرنبتاح عام 1208 قبل الميلاد.
غزا الآشوريون مملكة إسرائيل في الشمال عام 722 قبل الميلاد، وأجبروا العديد من الطبقات العليا على الانتقال إلى إمبراطوريتهم، وجعلوا من يهوذا في الجنوب مملكة متعاطفة تخدم مصالحهم، فازداد عدد سكانها وازدهرت فى ظل التبعية الآشورية. مع سقوط الإمبراطورية الآشورية قام ملك بابل، بغزو مملكة يهوذا عام 587 قبل الميلاد، ودمر الهيكل الأول ونفى النخبة إلى بابل (جنوب العراق). انتهت الإمبراطورية البابلية بغزو الفرس عام 539 قبل الميلاد، وعودة اليهود إلى مملكة يهوذا.
دمر الإسكندر الأكبر الإمبراطورية الفارسية فى القرن الرابع قبل الميلاد، وبعد وفاته عام 323 قبل الميلاد، قام أحد جنرالاته، سلوقس نيكاتور، بتشكيل الإمبراطورية السلوقية فى كنعان والتى استمرت حوالى 250 عامًا، وانتهت مع ظهور الحشمونيون (حكام يهود ينحدرون من كاهن اسمه سمعان المكابى) عام 100 قبل الميلاد، وسيطرتهم على مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا. انتهى حكم الحشمونيين باحتلال الرومان عام 63 قبل الميلاد، وتعيين هيرودس ملكًا، والذى استطاع بناء الهيكل الثانى إلا أنه دمر عام 70 ميلاديا على يد الجيش الرومانى مع هزيمة ثورة شمعون بار كوخبا ضد الحكم الرومانى. وحدث خلال هذه الفترة إبادة جماعية لليهود، وهرب سكان يهوذا الباقين على قيد الحياة إلى العراق ودول القوقاز وتركيا وجنوب أوروبا.
• • •
أدى انتشار العداء تجاه اليهود فى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر فى أوروبا إلى ظهور الفكر الصهيونى الهادف إلى إقامة دولة قومية يهودية فى فلسطين، وقد رفض الحكم العثمانى هذا الاقتراح.
وفى عام 1903 اقترحت الحكومة البريطانية منح أرض من أوغندا للاستيطان اليهودى، أعقبها وعد بلفور فى 2 نوفمبر 1917، ثم قرار الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية مع تدويل القدس. أدى ذلك إلى حرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة انتهت باتفاقيات الهدنة عام 1949، وطرد نحو 800 ألف فلسطينى من المنطقة التى أصبحت إسرائيل.
• • •
يناقش الجزء التالى بعض التفاصيل التاريخية فى التوراة من منظور علم التاريخ وعلم الآثار. وهنا لا بد من التأكيد على أن الهدف ليس الانتقاص من قدسية الكتب الدينية، بل تقديم الحقائق العلمية التى تتعارض مع الإيمان بأرض الميعاد للشعب اليهودى، وكما قال الفيلسوف العظيم برتراند راسل: «حيثما يوجد دليل، لا أحد يتحدث عن الإيمان».
يتفق معظم علماء الآثار وعلماء المصريات على أن قصة خروج الشعب اليهودى من مصر غير مثبتة علميا، وأن قصص التوراة مرتبطة بأساطير الحضارة السومرية والديانات الكنعانية القديمة، التى كان لها عدة آلهة أهمها «إل» أو «إلوهيم» وتعنى «الله» فى اللغة العبرية، وأن اسم إلوهيم استخدم فى مملكة إسرائيل فى الشمال بينما فى مملكة يهوذا فى الجنوب كان اسم الإله يهوا.
وفى الختام، أظهرت البيانات الأثرية أن كلا من اليهود والفلسطينيين جاءوا من الكنعانيين القدماء. وحتى لو وعد الله اليهود بأرض كنعان، فإن ذلك ليس حجة حاسمة للمطالبة بها بعد أكثر من 2000 عام. هناك أيضا عدم يقين بشأن ماهية «أرض إسرائيل» ويعتقد البعض أن وعد الله يمتد من النيل إلى الفرات. علاوة على ذلك لا توجد وصية فى العقيدة اليهودية التقليدية بالعودة إلى أرض إسرائيل، ولم تكن طقوس «العام المقبل فى القدس» التى تشكل جزءًا من صلاة عيد الفصح دعوة لإعادة بناء الدولة الصهيونية. إن ما أدى إلى قيام دولة إسرائيل هو فى الواقع اضطهاد اليهود فى أوروبا والمحرقة فى القرن الماضى.
لقد أصبحت المشكلة الفلسطينية الآن أكثر حدة مع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى التى يرتكبها الكيان الصهيونى فى غزة حتى يومنا هذا، والحل برأيى المتواضع لن يكون فى إقامة دولتين بحدود آمنة، بل فى إقامة دولة علمانية واحدة تسمى «كنعان» (الاسم التاريخى لهذه المنطقة) تشمل الجميع وتعاملهم بقوانين عادلة دون تمييز عنصرى أو دينى، مع احترام الهوية الفلسطينية والإسرائيلية والحق فى ممارسة الشعائر الدينية بحرية دون فرض أو إرهاب. وهذا الحل رغم صعوبة تحقيقه، يستحق أن يتحد حوله جميع المثقفين المستنيرين فى العالم، وكما أعلنت الجماعة اليهودية الأرثوذكسية ناطورى كارتا؛ «الصهيونية هى المشكلة، وليست فتح أو حماس».
وأخيرا، فإن نشر الحقيقة قد يسبب ألما للبعض، لكنه ضرورى.