كيف تصنع الدساتير؟


هويدا عدلى

آخر تحديث: الأربعاء 25 يناير 2012 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

تعد عملية وضع الدساتير من أهم العمليات التى تمهد الطريق نحو الانتقال إلى نظام ديمقراطى. فالدستور هو الذى يضع الأسس التى يقوم عليها كيان الدولة، يحدد حقوق المواطنين وواجباتهم، ويضع ضمانات حماية هذه الحقوق وكفالتها، كما انه يحدد طريقة توزيع السلطات فى المجتمع سواء بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية أو بين العاصمة والمحليات عبر نظام اللامركزية أو بين نظام الحكم بمؤسساته المختلفة من ناحية والمجتمع المدنى بمنظماته المتنوعة من ناحية أخرى. وكلما نجح الدستور فى نشر مراكز السلطة عبر كل هذه المستويات كلما كانت احتمالات الانتقال السلس لنظام ديمقراطى وضمان استمراريته اكبر. كما أنه على أساس هذا الدستور، تتم صياغة القوانين اللاحقة المنظمة لمسارات عديدة فى المجتمع سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. والحقيقة بقدر ما تضمن النظم الديمقراطية التداول السلمى للسلطة، بقدر ما تضع الدساتير حدودا على ممارسة الأغلبية للسلطة.

 

اختلفت منهجية صنع الدساتير فى الـ25 سنة الأخيرة اختلافا جذريا عن السنوات التى قبلها. فعلى حين كانت عملية صنع الدستور على مدار القرنين الماضيين عملية قانونية بحتة، لا تخص سوى النخبة وفقهاء القانون الدستورى، ويتم إجراؤها بمعزل عن المواطنين فى كافة مراحلها، وتقتصر مشاركة المواطنين فيها على المرحلة الأخيرة وهى الاستفتاء على الدستور، فإن الوضع فى السنوات الأخيرة كان مختلفا تماما، فقد ظهر مصطلح صناعة الدستور بالمشاركة، هذا المصطلح الذى عكس دلالات ديمقراطية واضحة ارتبطت بالموجة الثالثة للديمقراطية، والتى عمت العالم منذ منتصف السبعينيات والتى على إثرها انهارت كثير من النظم السياسية السلطوية فى آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والمنطقة العربية لتحل محلها نظم ديمقراطية أو فى طريقها إلى الديمقراطية.

 

●●●

 

إن عملية صنع الدستور بالمشاركة كأحد العمليات الأساسية المرتبطة بتجارب التحول الديمقراطى فى جميع أنحاء العالم ليست عملية يسيرة ولا خطية، ولكنها عملية فى غاية التعقيد وتطرح عديد من الأسئلة والإشكاليات مما يستدعى السعى للاستفادة من الدروس السابقة واستخلاص العبر.

 

 يطرح استعراض تجارب وضع الدساتير فى تجارب أخرى مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها من بلدان قد تتشابه ظروفهم فى قواسم منها مع ظروف الحالة المصرية ضرورة الاهتمام بقضيتين أساسيتين عند وضع الدساتير: الأولى قضية منهجية وضع الدستور، بمعنى كيف يتم البدء فى عملية صنع الدستور؟ وما هى خطوات العملية؟ وإلى أى نتائج يؤدى الإلتزام بعملية ديمقراطية تشاركية فى عملية صنع الدستور؟. والقضية الثانية تتعلق بمحتوى الدستور، وإلى أى مدى يحقق الأهداف العليا للمجتمع؟ ويضع المصلحة الوطنية لجموع المواطنين فى المقدمة، وأيضا إلى أى مدى يضع الأساس لعملية تحول ديمقراطى مستقرة ومستدامة وسلسة؟.

 

لا تقل أهمية عملية صنع الدستور عن محتوى الدستور، بل على العكس فإنجاز عملية ديمقراطية تشاركية فى صنع الدستور يضفى شرعية كبيرة على محتوى الدستور. من ضمن الأهداف التى تحققها عملية صنع الدستور بالمشاركة الاتى:

 

ــ إن توسيع عدد الجماعات المشاركة فى عملية صنع الدستور يؤدى لتهدئة كثير من الصراعات فى المجتمع ويساعد على بناء التوافق، فى حين أن استبعاد فاعلين أو جماعات ما من عملية صياغة الدستور يؤدى إلى تقويض شرعية الناتج النهائى، بل قد يؤدى إلى تقويض عملية التحول الديمقراطى ككل. كما أن هذه المشاركة تؤدى إلى خلق ثقافة سياسية ديمقراطية.

 

ــ إن ضمان مشاركة وطنية واسعة النطاق فى عملية وضع الدستور فى كافة المراحل من بداية وضع الأجندة الجماهيرية المعبرة عن طموحات المواطنين مرورا بمناقشة المسودات المختلفة وانتهاء بالاستفتاء، يؤدى إلى حدوث تحول ديمقراطى سلس وهادئ بدون منعطفات حادة.

 

ــ تعزيز شرعية الحكومة الانتقالية.

 

ــ إحداث قطيعة مع الماضى السلطوى الذى يستند إلى استبعاد المواطنين وتهميشهم وقمعهم.

 

تمر مصر بظرف سياسى حرج، يغيب فيه شرط أساسى من شروط التحول الديمقراطى وهو توافر التوافق الوطنى فى المجتمع وغياب الثقة. وعلى صعيد ثان، تتنامى عند المواطنين طموحات واسعة النطاق أن الغد يجب أن يبقى أفضل ويجب أن يكون لهم دور فى صياغته. وعلى هذا فالتحدى الرئيسى هو كيف يمكن ضمان مشاركة جماهيرية واسعة النطاق فى صياغة دستور مصر القادم فى فترة زمنية قصيرة للغاية؟ وعبر أى آليات يتم إدماج المواطنين فى عملية صنع الدستور؟. وكيف يمكن توصيل طموحات المواطنين إلى الجمعية التأسيسية؟ كلها أسئلة مطلوب الإجابة عنها من قبل كل القوى السياسية الممثلة فى البرلمان وعلى رأسهم الأغلبية البرلمانية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved