التطورات التكنولوجية المتسارعة ومستقبل الوظائف فى العالم
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 25 يناير 2017 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
تتطور التكنولوجيا الناشئة أو الجديدة فى شكل سريع، وهذا ما يظهر مثلا مع الروبوت الصناعى والذكاء الاصطناعى وتعلم الآلة. ويتزايد الاهتمام بتأثيرها فى المستقبل غير البعيد فى الوظائف والسياسات الاقتصادية والاجتماعية من جانب الباحثين وبعض المنظمات الدولية، أكثر مما تبديه الحكومات من اهتمام. فمن المتوقع أن يلغى توسع انتشار الروبوت 6 % من الوظائف فى الولايات المتحدة بحلول 2021، أى ما يعادل 7,4 مليون وظيفة (بلغ عدد العاملين بدوام كامل فى الولايات المتحدة 123.6 مليون فى ديسمبر 2016) خلال خمس سنوات من الآن. إذ تواجه الوظائف فى قطاعات خدمة الزبائن وخدمة المستهلكين والنقل والخدمات اللوجستية، موجة متسارعة من الأتمتة (التشغيل الآلى). وبعض الروبوتات ما زال بسيطا فى الوقت الحاضر، ولكن يتوقع أن تصبح كلها أكثر تعقيدا فى السنوات الخمس المقبلة بعد أخذ سرعة التطور التكنولوجى فى الاعتبار.
وتعود جذور الاتجاه الحالى لزيادة الأتمتة، وفقا لبعض الباحثين، إلى مرحلة الكساد الكبير فى أواخر عشرينيات القرن العشرين وبداية ثلاثينياته، عندما اضطر الكثير من رجال الأعمال إلى تشغيل عدد أقل من العمال. وبعد معاودة النمو مسيرته السابقة للكساد، لجأ رجال الأعمال إلى زيادة أتمتة مصانعهم أكثر من تشغيل عدد أكبر من العمال، واستمر هذا الاتجاه وتسارع فى العقدين الماضيين.
فشركة «جوجل»، على سبيل المثال، بلغت قيمتها 370 بليون دولار عام 2014 بوجود 55 ألف موظف فقط، وهو عشر حجم القوة العاملة فى شركة ATT (وهى شركة اتصالات أمريكية متعددة الجنسية) فى ستينيات القرن الماضى. وقد زاد استعمال الروبوت فى الولايات المتحدة فى شكل سريع فى السنوات الأخيرة بسبب انخفاض أسعارها وقدرتها على العمل باستمرار من دون توقف، ما يجعلها أكثر تنافسية من العنصر البشرى، وستجد لها مزيدا من التطبيقات فى الاقتصاد فى المستقبل غير البعيد.
وأثار إعلان شركات التكنولوجيا مثل «تيسلا» و«أوبى» و«جوجل» فى الأشهر الأخيرة عن إطلاق سيارات تعمل من دون سائق، موجة من المخاوف بين سائقى سيارات الأجرة فى الولايات المتحدة. كما سيتم تطبيق التكنولوجيا ذاتها على النقل بالشاحنات، وبذلك ستهدد أكثر من 3.5 مليون وظيفة فى القطاع الأخير.
***
لا شك فى أن توسع موجة التكنولوجيا الناشئة وتطبيقها على قطاعات عدة، سيتركان آثارهما الإيجابية على كلفة السلع والخدمات وتحسين نوعية الإنتاج وسرعة إنجازه، ما سيكون من دون شك من مصلحة الشركات العاملة أى أصحاب رؤوس الأموال. إلا أنها ستسبب فى الوقت ذاته بطالة عدد كبير من العمال. وكلما زاد انتشار استعمال التكنولوجيا الجديدة فى قطاعات اقتصادية أكثر، سيكون تأثيرها العكسى أكبر فى عدد الأيدى العاملة. وهذا يعنى أن النموذج التقليدى لتوزيع عائدات الإنتاج بين العمل ورأس المال سيتغير وستذهب غالبية المردود إلى رأس المال. وهنا لا بد من إيجاد نموذج جديد لتوزيع عائدات الإنتاج محل النموذج التقليدى. ولكن التحدى الأكبر سيكون فى وضع العمال الذين سيخسرون وظائفهم، وكيفية العيش وإشغال أوقاتهم من دون الارتباط بعمل جدى يومى. وقد أظهرت دراسات عدة حتى فى الدول التى لديها ضمان اجتماعى للبطالة، ارتفاع درجة الارتباط بين البطالة ومعدلات الجريمة، والبطالة والإدمان، والبطالة ومعدلات الطلاق، والبطالة والعنف الاجتماعى.
وتسعى منظمة العمل الدولية إلى جذب انتباه الحكومات حتى فى الدول النامية، إلى النتائج التى قد تسفر عن انتشار استعمال التكنولوجيا المتطورة فى مجال إنتاج السلع والخدمات. إلا أن الموضوع لم يأخذ أهمية من جانب أصحاب القرار بعد. وقد يكون سببه اختلاف الباحثين على النتائج التى ستسفر عن هذه التطبيقات. فبعض الباحثين يرى أن تأثيرها سيكون خطيرا فى عدد الوظائف المتاحة. ويرى فريق آخر أن التكنولوجيا الجديدة ستخلق وظائف جديدة يمكنها استيعاب العمال المستغنى عن خدماتهم فى وظائف بديلة. أما الفئة الثالثة فترى أن النتائج لا يمكن توقعها من الآن.
***
إن الموضوع بشقيه الاقتصادى (إيجاد معادلة جديدة لتحل محل المعادلة التقليدية فى توزيع عائدات العملية الإنتاجية) والاجتماعى (كيف سيقضى الأفراد أوقاتهم من دون الارتباط بعمل دائم) ، يمثل تحديا عالميا كبيرا يستوجب اهتماما جديا من الدول وأصحاب القرار فيها.
الحياة ــ لندن
ذكاء مخلص الخالدى