55 سنة صحافة
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 25 يناير 2022 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
لأن معرض القاهرة للكتاب يبدأ غدا فليس هناك ما هو أفضل من الحديث عن الكتب، وأولى بشائر كتب المعرض التى وصلتنى، كتاب جميل أوصى بقراءته عنوانه «55 سنة صحافة» أصدرته دار ميريت لكاتب صحفى كبير هو رشدى أبو الحسن.
وقد لا يعرف قراء هذه الأيام اسم هذا الرجل، على الرغم من أنه كان ركنا مهما من أركان مجلة «صباح الخير» العريقة وقت كانت لا تزال مجلة للقلوب الشابة والعقول المتحررة. استطاع أبو الحسن ان يميز اسمه إلى جوار قامات مثل حسن فؤاد وصلاح حافظ ولويس جريس ورءوف توفيق وعلاء الديب وصبرى موسى وعبدالله الطوخى وزينب صادق وأحمد هاشم الشريف ومجيد طوبيا وفؤاد قاعود وقبل هؤلاء سعد كامل الذى رافقه فى البدايات وصولا لسلالة جيل الثمانينيات النضرة.
والمؤكد أن مهمته فى تمييز اسمه لم تكن سهلة لأن هؤلاء جميعا كانوا من أصحاب الاساليب وميزة «صباح الخير» الرئيسية أنها مجلة تبحث عن الكاتب صاحب الاسلوب، لأنها ليست من نوعية المجلات التى تجعل كل أفرادها يشربون من نفس البئر وهى لا تعتمد على شخصية «الديسك» أو المحرر العام وتفضل أن يلبس كل صحفى جملة على مقاسه وبالتالى ترى المجلة أن الاسلوب هو شرف الكاتب لذلك ظل صحفيو «صباح الخير» فى المهنة مثل الورد البلدى له رائحة وشكل ولون.
وأهم ما فى كتاب رشدى أبو الحسن أنه يصدر فى زمن تعانى فيه الصحافة من هموم ومشكلات لا أول لها ولا آخر وتقريبا صارت تلفظ أنفاسها الأخيرة لكن الكتاب قد يعزز ثقة صحفى شاب يبدأ مشواره فى المهنة المرتبطة دائما وأبدا بالكرامة ورسالتها دائما العدل والحرية واحترام العقل وهذا بالضبط هو جوهر الخبرة التى يقدمها مؤلف الكتاب.
استعرض العم رشدى رحلته فى المهنة التى ارتبط بها كما يشير العنوان لأكثر من نصف قرن وعلى طريق المؤرخين الذين يحبون كتابة التاريخ من اسفل وازن فى ذكاء بالغ بين سيرته وسيرة المهنة التى امتهنها ونجح فى صياغة قطعة نسيج من حرير ناعم لمس فيها ما عاشه على امتداد حياته وما عاشته المهنة من انتصارات وانكسارات.
دخل أبو الحسن المهنة من باب الدراسة فقد كان طالبا بقسم الصحافة بكلية الآداب وذهب يتدرب فى مجلة «آخر ساعة» وعين فيها بقرار من مصطفى أمين دون وساطة من أحد لكنه تركها بعد أن جاء أنيس منصور رئيسا لتحريرها وأخبره بصريح العبارة أن رئيس التحرير ليست مهمته الاهتمام بالمواد التى يكتبها الآخرون لأن مهمته الوحيدة الاهتمام بنفسه وبكتابته وبعد هذا الدرس غادر إلى «صباح الخير» مع صلاح حافظ وتورط فيها إلى الأبد وغرق لشوشته فى مدرسة الهواء الطلق كما كان يسميها أستاذى الراحل كامل زهيرى.
يعطى الكتاب لقارئه فرصة التجوال بين مكاتب وممرات شارع الصحافة ومبنى روزاليوسف العريق فى شارع قصرالعينى كما يمنحه فرصة شرب القهوة مع رسام الكاريكاتير العظيم حجازى فضلا عن تتبع أثرأحمد بهاء الدين والتعرف على القيم التى تركها خلفه كمؤسس لهذا الكيان الفريد كما بإمكانه أن يفهم كيف انشغل عالم تعلم فى جامعة هارفارد مثل رشدى سعيد بالنيل وظل ملتصقا به إلى ان مات.
وميزة الكتاب أن صاحبه اعطى مثالا فريدا على قيمة استقامة الكاتب وكيف يمكن له أن يعيش حياته كلها مخلصا لمبادئه التى اعتنقها دون أن يبحث عن مواقع أو امتيازات ودون أن يتجاهل التزامه بالقضايا الوطنية والشأن العام.
والأهم أن الكاتب ظل يكتب عما يريد بحب وايمان دون ان يضطر ليتخصص فى مجال بعينه، فعين رشدى ابو الحسن كانت مفتوحة باستمرار على العالم باتساع وبدهشة تليق بمراقب متأمل فضل أن يتخصص فى الموضوع الذى يكتبه ويتقن الفكرة التى ينوى طرحها بقدرته على جمع أكبر كم ممكن من المعلومات من المراجع والمصادر وطرحها أمام القارئ ليتمكن من الحكم بنفسه فالقارئ هو القاضى صاحب الحكم الأخير على كل نص.
وأخيرا سيجد القارئ فى الكتاب فرصة لمراجعة أفكار ورؤى وقضايا انشغل بها المجتمع المصرى منذ ان عرف الطريق إلى الحداثة لكنه لايزال يتعثر فيها ولم يتمكن من حسمها إلى الآن لكن ما يمكن تأكيده أن رشدى أبو الحسن نظر دائما إلى تلك القضايا بعقلانية فريدة وبنظرة تقدمية دافعت دوما عن الاستنارة وأنوار العقل فهو أيضا ابن من ابناء رفاعة الطهطاوى ووريث لعقلانية طه حسين كأن البحث عن مستقبل الثقافة فى مصر هو الهم الأول لكل كاتب يرى فى نفسه وريثا لهذا العقل الجبار.