أوباما: وعود جميلة .. ومُستبعدة؟
سعد محيو
آخر تحديث:
الأربعاء 25 فبراير 2009 - 4:26 م
بتوقيت القاهرة
في الفترة بين 4 فبراير/شباط و11 فبراير/ شباط العام 1945، عّقد مؤتمر يالطا الذي ضّم "الثلاثة الكبار روزفلت وستالين وتشرشل.
على طاولة المؤتمر الصغيرة كان ثمة خريطة كبيرة للعالم الذي يوشك الزعماء الثلاثة على تقاسمه، مستخدمين أقلام رصاص متواضعة. جزء من الخريطة تمت إحاطته بدائرة دلالة على أهميته: إنها فلسطين التي كان يفترض أن يُقرر مصيرها في شكل جماعي من قبل الرؤساء الثلاثة المنتصرين في الحرب. لكن هذا لم يحدث. لماذا؟
لنترك الإجابة لإيفان ويلسون، الكاتب والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الاميركية (في كتابه "القرار حول فلسطين"):
"وزارة الخارجية الأميركية، وبناء على طلب من وزير الخارجية آنذاك ستيتينوس، أعدّت اقتراحاً حول فلسطين لعرضه علي مؤتمر يالطا، دعا إلى تسوية لأزمة فلسطين بمشاركة القوى الكبرى الثلاث عبر وضعها تحت الوصاية الدولية. بيد أن هذه التوصية" لم تنقل لاإلى مؤتمر مالطا ولاإلى مؤتمر سان فرنسيسكو بعده. وقد يكون من المثير التكهن حول ماذا كان يمكن أن يحدث في فلسطين والشرق الأوسط لو أن الإتحاد السوفييتي دفع إلى المشاركة في هذه القضية في تلك المرحلة".
ولماذا لم يصل الاقتراح إلى روزفلت؟
لأن الفريق اليهودي الصهيوني المتحلّق حوله حجبها عنه عن عمد.
نورد هذه الواقعة التاريخية ليس للدلالة على النفوذ الكبير الذي لطالما تمتع به اللوبي اليهودي- الصهيوني في الولايات المتحدة، بل للإشارة إلى أن الرئيس الأميركي، وعلى رغم الصلاحيات الدستورية الواسعة التي يتمتع بها، إلا أنه في الواقع يملك ولايحكم.
الرئيس الأميركي، أي رئيس أميركي، ليس هو السلطة الحقيقية في اميركا. إنها( السلطة) تنبع من فوهة بندقية المصالح الكبرى التي يجسّدها التحالف الثلاثي الكبير بين الشركات الرأسمالية الكبرى، والمنظمات السرية، وأجهزة الإستخبارات والمافيات. وكل رئيس اميركي داعبته فكرة التصدي لهذا الثالوث إما وجد رأسه يتدحرج من بين كتفيه( كأبراهام لينكولن وجون كينيدي) أو هو كان حكيماً بما فيه الكفاية ليحمل على الثالوث بعد مغادرته البيت الأبيض( كدوايت أيزنهاور).
الرئيس الأميركي لايرأس شيئاً في أميركا، سوى أجندات العمل التي يضعها له هذا الثالوث غير المقدس، إضافة بالطبع إلى ممارسته للنجومية الإعلامية والتلفزيونية والدبلوماسية الضرورية في "مهنة" الرئاسة.
وبالطبع، الرئيس أوباما لن يكون قط استثناءً لهذه القاعدة، خاصة وانه يدخل إلى البيت الأبيض وهو مثقل بتبعات إسم والده، حسين، وإرثه، الإسلامي الكيني، وإعجابه السابق بـ"الإشتراكي" المسالم الراحل مارتن لوثر كينغ. وكل ذلك يوفّر للوبي الصهيوني مادة ضغط قد تكون لانهائية لابتزاز الرئيس الجديد واجياره على اثبات هويته المسيحية ووولائه للدولة اليهودية آناء الليل وأطراف النهار.
لقد أطلق الرئيس الجديد وعود جميلة حول بدء انغماسه بتسويات لأزمة الشرق الأوسط منذ بداية عهده لانهايته (كما فعل من قبله كلينتون وبوش)، وبمعاملة إيران بأحترام (على رغم أنه لم يشر إلى احترام العرب)، وبلعب دور الطرف الثالث الموثوق به. وهي وعود تبدو صادقة وإن لسبب مصلحي: فهو يعتبر أن سمعة الولايات المتحدة في العالم كنز سياسي ثمين يجب استعادته. كما أنه يريد أن تحظى بلاده بالاحترام مجدداً كي يصبح أصدقاؤها حلفاء أفضل وكي يخسر أعداؤها الدعم.
كما أنه في خطاب القسم تعهد بأن "تتغيّر أميركا لأن العالم تغيّر"، وبتدشين حقبة جديدة من المسؤولية تقودها الصداقة الدولية والاحترام المتبادل، وبشق طريق جديد للعلاقات مع العالم الإسلامي.
حسناً. لكن من سيحوّل هذه الوعود الجميلة إلى ورود عملية جميلة؟
ليس هذا الرئيس الشاب. لا لأنه يفتقد إلى الخبرة، فهو يستطيع أن يتدرّب عليها بسرعة وكثافة على حساب العرب الذين أصبحوا منذ وفاة جمال عبد الناصر أكياس ملاكمة إقليمية ممتازة، بل لأنه مضطر إلى تركيز كل جهوده على الورطة الاقتصادية الأميركية الأكبر منذ الكساد الكبير العام 1929.
فهو يجب أن يوفّر 800 بليون دولار لإنعاش الاقتصاد، وأن يسارع إلى إنقاذ صناعة السيارات التي يبدو أن انهيارها بات حتمي، وأن يوقف مسيرة البطالة المخيفة التي بلغت مؤخراً نصف مليون مطرود من العمل كل شهر. ثم أنه يجب أن يفعل كل ذلك، فيما يُتوقع أن يقفز الدين القومي الأميركي بمعدل تريليوني دولار خلال العام الحالي 2009.
أوباما، إذاً، لن يستطيع أن يطل برأسه على الشرق الأوسط والعالم إلا بين الفينة والأخرى ومن خلال ركام الأزمات الاقتصادية الداخلية التي ينتظر أن تزداد تفاقماً خلال الأشهر المقبلة. لكن، وحتى لو سنحت له الفرصة لهذه الإطلالة الشرق أوسطية، فسيكون أسير وعود أخرى أطلقها بغزارة في اتجاه تل أبيب. وهذه بعضها:
فهو بادر في 4 يونيو/حزيران 2008 إلى الوقوف أمام منظمة "إيباك"، أخطر اللوبيات الصهيونية في أميركا وأكثرها عنصرية وتطرفاً، ليعلن أن أمن إسرائيل "مقدّس" بالنسبة إليه، وأن القدس هي وقف يهودي- إسرائيلي صرف وستبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل.
وقبل ذلك، كان أوباما ينشر دراسة في دورية "فورين أفيرز"(يوليو/ تموز 2007)، يربط فيها ربطاً محكماً بين سلام الشرق الاوسط وبين الاولوية المطلقة لأمن إسرائيل. قال: " نقطة انطلاقنا يجب ان تكون دوماً الالتزام القوي والواضح بأمن إسرائيل التي هي حليفنا الأقوى في الشرق الاوسط والديمقراطية الوحيدة فيه. يجب أن نساعد الإسرائيليين عبر عزل اعدائهم".
أما بالنسبة إلى شعار أوباما الرئيس حول الحوار والخيارات الدبلوماسية، فهو قدّم في برنامجه الانتخابي الذي حمل العنوان "تجديد الزعامة الأميركية" التوضيحات التالية:
كي نستطيع تجديد الزعامة الأميركية في العالم، يجب أولاً أن نصل بحرب العراق إلى نهاية مسؤولة ونركز اهتمامنا على الشرق الاوسط الاوسع، عبر سحب كل الفرق العسكرية الاميركية من العراق قبل مارس/31 آذار 2009. في الوقت نفسه يجب أن نطلق مبادرة إقليمية ودولية شاملة للمساعدة على وقف الحرب الاهلية في العراق .
على رغم أننا لن نستبعد استخدام القوة مع إيران وسورية، إلا اننا سنركز جهودنا على ممارسة الدبلوماسية المستندة إلى مناحي القوة الأميركية السياسية والاقتصادية والعسكرية. دبلوماسيتنا يجب أن تستهدف رفع الأكلاف بالنسبة إلى إيران إذا ما واصلت برنامجها النووي، في الوقت نفسه الذي نظهر فيه لها ما يمكن ان تربحه إذا ما غيرّت نهجها: تعاون اقتصادي، ضمانات أمنية، وعلاقات دبلوماسية.
كما ان الدبلوماسية المقترنة بالضغط تستطيع أيضا توجيه سورية بعيداً عن أجندتها الراديكالية نحو مواقف أكثر اعتدالاً. وهذا بدوره سيساعد على استقرار العراق، وعزل إيران،وتحرير لبنان من قبضة دمشق، وتوفير أمن أفضل لإسرائيل.
الشعار الذي يطرحه أوباما هنا هو "الدبلوماسية الصارمة والحازمة" (Tough Diplomacy) والتي يفترض أن تقلب التوجهات الأميركية تجاه إيران: بدل التهديدات العسكرية والمفاوضات السرية كما كانت إدارة بوش تفعل، ستصبح الامور الأن: مفاوضات علنية وتهديدات سرية.
لكن، هل "سيُسمح" له بالذهاب بعيداً في خياراته الدبلوماسية؟
لاالوقائع التاريخية في مؤتمر يالطا 1945 تشجّع على الرد بالإيجاب، ولاالحرب الإسرائيلية المدمّرة في غزة في 2009 - 2008-، والتي خيضت أساساً لوضع أوباما في قفص "قواعد اللعبة الجديدة في الشرق الاوسط" التي تحدثت عنها تسيبي ليفني، توحي بذلك، من أسف!