الاستفتاء على الدستور السورى: النظام الفردى كما هو
فوّاز طرابلسى
آخر تحديث:
السبت 25 فبراير 2012 - 8:50 ص
بتوقيت القاهرة
١٤ مليونا و٦٠٠ ألف من السوريين والسوريات مطالبون بأن يقرأوا ويناقشوا مشروع دستور من دزينة من الصفحات قبل أن يستفتوا بقبوله أو رفضه فى غضون أسبوعين لا أكثر. للاستحقاق وجهان: امتحان نسبة المشاركين فى الاستفتاء، واختتام مسيرة «الإصلاحات»، على اعتبار أن الدستور المقترح هو أم التشريعات وصيغة التعاقد «الجديد» بين الحكام ــ والأحرى الحاكم الفرد ــ والمحكومين.
إن نظرة مدقّقة لمواد الدستور الصادر بمرسوم جمهورى فى الخامس عشر من هذا الشهر لا تبشر بأكثر من دعوة للاستفتاء على إبقاء النظام كما هو أو يكاد.
إذا استثنينا الرطانة الحضارية والحداثية فى المقدمة، بما تحمله من «الاعتزاز بالانتماء العربى» وبموقع سوريا الإقليمى ومخاطر الإمبريالية والصهيونية، يلاحظ القارئ ثلاثة أمور نافرة. أولا، نقل مهمة «تحقيق الوحدة العربية الشاملة» من المادة الأولى من الدستور إلى مقدمته لسبب خفى تفسيره على كاتب هذه السطور. ثانيا، خلو المقدمة من أية إشارة للجولان المحتل ومهمة تحريره من ضمن المهمات الوطنية والقومية التى تضطلع بها سوريا بما هى «قلب العروبة النابض وجبهة المواجهة مع العدو الصهيونى والحامل الأساسى للمقاومة ضد الهيمنة الاستعمارية على الوطن العربى ومقدراته وثرواته» (المقدمة). وثالثا، لا يتوقع لمثل هذا التعريف الانتمائى العربى الصرف لسوريا أن يسهم بشىء فى تعاطى النظام مع الجماعات السورية غير العربية، الذين لا يقدّم لهم الدستور غير كفالة «التنوع الثقافى» (المادة ٩).
على عكس ما تبرّع البعض إعلاميا بالحديث عن إسقاط العلمانية من الدستور، ينبغى التذكير بأن المفردة لم ترد فى دستور العام ١٩٧٣ أصلا. والفقرتان من المادة ٣ اللتان تعلنان أن دِين رئيس الجمهورية هو الإسلام وأن «الفقه الإسلامى مصدر رئيسى للتشريع» لم يطرأ عليهما اى تعديل. الجديد هو إضافة فقرة تنص على أن «الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية». هل يعنى ذلك غير أن البلد الشقيق قد انضم إلى النادى اللبنانى من حيث طائفية أحواله الشخصية؟ فكم نظام أحوال شخصية سوف تفرّخ سوريا؟
حسنا فعل المشرّع بإزالة أى إشارة للاشتراكية فى تعريف هوية الدولة والنظام (المادة الاولى) وفى البند الثقافى (المادة ٢٣ عن الثقافة القومية الاشتراكية). ومع إسقاط الاشتراكية يسقط مبدأ المساواة (المادة ١٩). والنظام لم يكن له من الاشتراكية حتى الاسم. ولكن ثمة بقايا الممانعة.. فى الاقتصاد. لا يتبنى الدستور الاقتصاد الحر، لكنه يؤسس الاقتصاد على التخطيط والتنمية الشاملة المستدامة والمتوازنة. ويدخل فوق ذلك تعديلات معبّرة على أشكال الملكية إذ يختصر أشكال الملكية الثلاثة لدستور ١٩٧٣ ــ ملكية الشعب والملكية الجماعية والملكية الفردية ــ بصيغة ملتبسة هى «الملكية الخاصة من جماعية وفردية».
التعددية السياسية تمارسها احزاب «مرخّصة». كيف لا؟ علما ان الدستور يمنع تأسيس احزاب على أساس «دينى أو طائفى أو قبلى أو مناطقى أو فئوى أو مهنى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون». من يتولى فحص منسوب كل هذه العناصر فى طالبى الترخيص والتأكد من خلوّهم من آفات «التفرقة»؟ الجواب فى قانون الاحزاب الجديد: لجنة برئاسة وزير الداخلية يعيّنها رئيس الدولة! ويتساءل المرء إزاء هذا اللائحة الطويلة من المحرّمات: هل هى أكثر من لائحة أعذار لرفض أى حزب يراد رفض الترخيص له؟ فهل أن أحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية» التى اعتبرت مرخصة حكما، منذ صدور قانون الأحزاب، تتوافر فيها حقا كل هذه الشروط؟ أضف إلى ذلك أن بعض ما ورد فى الدستور متناقض مع قانون الانتخاب الذى لا يزال قائما على أساس التوزيع المهنى للمرشحين بين عمال وفلاحين ومستقلين.
لن ننسى إلغاء المادة الثامنة. يبقى السؤال عن مفاعليها. كان الدور القائد لحزب البعث يتضمن احتكاره العمل الحزبى فى المؤسسة العسكرية وبين الطلاب. هل يعنى إلغاء المادة العتيدة فتح باب العمل السياسى والحزبى فى هذين القطاعين؟
●●●
بيت القصيد هو طبعا صلاحيات رئيس الجمهورية. حتى لا يضحك علينا أحد بأن المشلكة فى الدستور والنظام السياسى كامنة فى حكم الحزب الواحد: الدستور السورى، القديم والمقترح، يكرّس نظاما سياسيا قائما على حكم الفرد من خلال الصلاحيات الاستثنائية شبه المطلقة لرئيس الجمهورية. لنقل فورا إن التعديل الوحيد هنا هو أن الانتخابات الرئاسية باتت تنافسية بشروط وأن الدستور الحالى يسمح للرئيس الأسد برئاسة تمتد إلى ١٦ سنة إضافية. والطريف أن المشرع نسى أن يعدل سن الترشيح لرئاسة الدولة فبقى على حاله حسب آخر تعديل أتاح لبشار الأسد فى الرابعة والثلاثين من عمره أن يترشح لخلافة أبيه فى عام ٢٠٠٠.
الشعب ينتخب نوابه لمجلس الشعب لكن رئيس الجمهورية هو الذى «يدعوهم إلى الاجتماع» بواسطة مرسوم رئاسى، ما يؤكد أنهم لا يصيرون نوابا للشعب إلا بمصادقة السلطة الرئاسية التى يراد لها أن توازى السيادة الشعبية (المادة ٦٠).
ورئيس الجمهورية هو رأس السلطة التنفيذية والتشريعية. الغموض فى كيفية تشكيل الوزارة يفيد بأنه يعين الوزارة ويقيلها فردا ومجموعا، مع أن مجلس الشعب زيدت صلاحياته من حجب الثقة عن الوزراء الأفراد إلى حجب الثقة عن الوزارة برمتها. عدا عن ذلك، يمارس الرئيس سلطاته التنفيذية فى علاقة مباشرة مع الوزراء الأفراد، ويجمع مجلس الوزراء برئاسته، ويطالب الوزراء بتقارير عن نشاطهم، ما يعنى أنهم مسئولون تجاهه، فيما يتولى رئيس الوزراء «الإشراف» عليهم (المادة ٩٨). من جهة ثانية، لا يكتفى الرئيس بإصدار القوانين التى يقرّها مجلس الشعب، ولا مجرد اقتراح قوانين على مجلس الشعب، أنه يملك سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب وخلالها «إذا دعت الضرورة»، ولا يستطيع مجلس الشعب إلغاء القوانين التى يصدرها الرئيس إلا بثلثى اعضائه، وللرئيس إلى ذلك الحق فى استفتاء الشعب (المادة ١١٢) وفى تجميد عمل مؤسسات الدولة «فى حال خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية» (المادة ١١٣)
وحتى لا يطول الشرح، للرئيس الحق فى حلّ مجلس الشعب (المادة ١١٧). وهو، فوق هذا كله، ليس مسؤولا عن «الاعمال التى يقوم بها مباشرة» إلا فى حال الخيانة العظمى. وهذا يعنى أن الرئيس ليس مسئولا عن الأعمال غير المباشرة التى يقوم بها من هم تحت إمرته بما هو الآمر الناهى فى السلطتين التشريعية والتنفيذية وتتويجا القائد العام للقوات المسلحة والأمنية. ولعل هذا ما يفسّر التصريح الشهير للصحفية الأمريكية بأنه ليس مسئولا عن أعمال قواته المسلحة!
●●●
هذه قراءة فى الدستور السورى المقترح على الاستفتاء، والمفترض أنه يشكل تجسيدا وتتويجا لـ«الإصلاحات» التى يدعو النظام الشعب السورى أن يوافق عليها لمعالجة أزمة دموية مستمرة منذ ما يزيد على سنة، اندلعت الاحتجاجات فيها مؤخرا فى عقر دار النظام وعاصمتيه السياسية والاقتصادية، وهى أزمة يصفها رئيس الدولة نفسه بأنها تهدد بتقسيم سوريا.
هل من حاجة لمزيد؟
بلى. كيف يمكن تصوّر «الحوار» الذى يدعو اليه الراعى الروسى والصينى، وقد صدرت نتائج الحوار سلفا؟