صالون التوارجي.. إنها حقًا عائلة محترمة

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 25 فبراير 2025 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

وجهت لى الجمعة الماضية دعوة من صالون التوارجى الثقافى فى مدينة دمياط الجديدة لتقديم محاضرة ضمن فعاليات الصالون الذى استضاف على مدى 24 عاما رموزا ثقافية وفكرية وعلماء فى مختلف التخصصات.
أعترف أن ما شاهدته فى الصالون من دقة فى التنظيم والإعداد فاق توقعاتى بمراحل، فالرجل الذى يقف خلفه وهو الأستاذ محمد التوارجى لديه خبرات كبيرة بالعمل الثقافى والإعلامى، فقد عمل أغلب فترات حياته كملحق ثقافى وإعلامى وبلغ فى المناصب شأنا وأحيل إلى التقاعد وهو على درجة وزير مفوض. وقد أصدر مؤخرا كتابا بعنوان «دكان جدى» عن دار الأدهم، ضم فصولا من سيرته الذاتية وسنوات صباه فى قرية عزبة البرج.
يقضى التوارجى غالبية وقته فى الكتابة والقراءة والسفر إلى جانب تفرغه التام لهذه المبادرة الفريدة فى التنمية الثقافية والتى تعتمد بالكامل عليه وعلى أفراد عائلته الصغيرة، التى تضم إلى جوار زوجته ابنته السيدة كارمن وزوجها المهندس حاتم وابنه الأستاذ شادى وزوجته سالى.
من حسن حظى أننى تعرفت على العائلة من خلال زوجته السيدة عايدة جبر عقب ظهورها فى صالون يقدمه الشاعر زين العابدين فؤاد عبر صفحته الخاصة وقد استضافها للحديث عن شخصية أسطورية فى الحياة الأدبية وهو الكاتب عبد الفتاح الجمل الذى يعد الأب الروحى لجيل الستينيات الأدبى ومؤلف الرواية الفذة (محب).
رغم أن هذه السيدة النبيلة كانت تتحدث من خلف شاشة الكومبيوتر إلا أنها خطفت قلبى بحديثها الصادق والمتدفق وحماسها الذى لا يخفى على أحد، وقد علمت فيما بعد حجم المساعدات القيمة التى قدمتها للصحفية المتميزة عائشة المراغى الزميلة فى (أخبار الأدب) لتنجز عملاً بالغ الأهمية تمثل فى جمع تراث عبدالفتاح الجمل ورسائله التى تم نشرها مع أعماله الكاملة فى طبعة جديدة عن هيئة قصور الثقافة، جرى فيها تصويب جميع الأخطاء التى وردت فى الطبعات السابقة استجابة لإصرار السيدة عايدة على أداء الأمانة وتنفيذ وصية الكاتب الراحل.
قبل ثلاثة أشهر فقط تعرفت على ابنتها العزيزة كارمن خلال ندوة للفنان محمد عبلة، وقد وجهت لى دعوة لحضور الصالون، ولم أستغرب حديثها أبدا كونها على نفس الدرجة من الصدق والحماس والإيمان بالقيمة الرمزية التى تمثلها عائلتها التى كنت على جهل تام بأدوارها فى التنمية الثقافية والمجتمعية.
أسعدنى كثيرا التعرف على تجربة الصالون الذى يعقد شهريا فى منزل العائلة الذى يقع فى منطقة سكنية هادئة على بعد خطوات من مقر الجامعة.
عبر تاريخه الممتد، استضاف الصالون قامات كبيرة منها الدكتور أحمد مستجير، المخرج على بدرخان، المترجم طلعت الشايب، الروائية سلوى بكر، والفنانين محمد عبــــلة، وعبد الوهــاب عبد المحسن، ود. فتحى الخميسى، والمناضلة الراحلة شاهندة مقلد، والمؤلف المسرحى أبوالعلا السلامونى، الروائى عزت القمحاوى وقد روى لى الابن شادى التوارجى تفاصيل كثيرة تخص رحلة كل هؤلاء للحديث أمام جمهور صالون وما دار فيه من مناقشات.
كما احتفظ الصالون برواده من رموز الحركة الثقافية فى المحافظة من أمثال د. عيد صالح، ود. ماهر القشاوى، ود. إبراهيم منصور، محمد الشاطورى، ومجدى القشاوى وسمير الفيل.
تستحق مبادرة مثل صالون التوارجى الاهتمام والدراسة حتى إننى اقترحت على صديقى وأستاذى وزير الثقافة السابق الدكتور، عماد أبو غازى، أن يوجه أحد طلابه فى دبلوم التنمية الثقافية لدراستها وتوثيقها بدقة لأنها بارقة أمل وبؤرة إشعاع ثقافى حقيقى تقف خلفها عائلة محترمة تؤمن إيمانا فعالا بدور المثقف، كما تؤمن بمسئوليتها المجتمعية، فكل ما يجرى فى الصالون يعتمد اعتمادا كاملا على جهد تطوعى من العائلة التى تحتفى بكل ضيوفها من المتحدثين أو المستمعين الذين يقترب تعدادهم لأكثر من 30 ضيفا.
لعل أهم ما فى المبادرة كونها تعتنى بالوعى الفكرى أكثر من اهتمامها بالأدب، كما لا تتورط فى السياسة ليس فقط من باب الأخذ بالأحوط وإنما رغبة من روادها فى الحفاظ على مستوى من النقاش لا تفسده الأيديولوجيا أو الانتماء السياسى فما يستهدفه الصالون هو الحفاظ على التنوع الفكرى الخلاق وتعزيز ثقافة الحوار.
ما أجمله من هدف وما أجملهم بشر تشعر بينهم بأنك صرت فردا من أفراد عائلة تحلم باليوتوبيا وتسعى إلى تحقيقها ومواجهة ظلام الديستوبيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved