قدم فى (التحرير) وأخرى فى (المهندسين)
وائل قنديل
آخر تحديث:
الجمعة 25 مارس 2011 - 9:53 ص
بتوقيت القاهرة
دمعت أعيننا عندما تحدث رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف فى ميدان التحرير فور تعيينه، وملئنا من كلماته أملا وفرحا ويقينا بأن الثورة المجيدة بدأت تجود بالثمار.
تعامل الجميع مع شرف باعتباره رئيس حكومة من ميدان التحرير، وتفاءلنا بما هو آت، وقلنا إنه لا تلكؤ بعد اليوم فى تنفيذ استحقاقات الثورة.
غير أن أياما وأسابيع مرت، والإحساس بأصابع الثورة المضادة يتفاقم، دون أن نرى خطوة حقيقية على طريق الوصول إلى وضعية ثورية جديدة.
كان هناك ما يشبه الإجماع والتوافق على أنه ليس منطقيا أن يستمر التعبير عن المرحلة الثورية الجديدة بالأدوات الإعلامية القديمة التى أمضت عمرها كله فى الترويج والتلميع والتسبيح برموز النظام الساقط.
ومن هنا توقع الجميع تغييرا سريعا وجذريا فى الآلة الإعلامية، كى لا تستخدم فى إعادة إحياء النظام السابق، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، ومازالت منابر إعلام «نظام مصطفى محمود» تتصدر المشهد الذى صنعه ثوار ميدان التحرير.
وما يقال عن المؤسسات الصحفية هو ذاته الحاصل فى ماسبيرو، وهو القائم فى الجامعات وكأن ثورة شاملة لم تعرفها مصر، وتدفع ثمنها مئات الأرواح الذكية من الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين.
وبدلا من أن يتفرغ المجتمع للبناء الجديد، وجد نفسه مضطرا لاستهلاك طاقته فى التصدى لما تبقى من أوكار وثغور البناء القديم الذى يفترض أن ثورة يناير قد هدمته وأزالته.
ولعل ما جرى فى كلية إعلام القاهرة يجسد ذلك التناقض المخيف، فقد جرى استخدام مفرط للقوة فى فض اعتصام الطلاب والأساتذة المطالبين بإزاحة عميد الكلية المنتمى للعهد الماضى
والقيادى البارز فى لجنة سياسات جمال مبارك.
وبدت المسألة مثيرة للشك والريبة والفزع من هذا الإصرار على حماية عميد كلية كان ضد الثورة ومقاتلا شرسا فى مواجهة التغيير، بما ولد لدى البعض إحساسا بأن قوى الثورة المضادة لا تزال تحارب على أكثر من جبهة، وتكتسب كل يوم أرضا جديدة.
ثم جاء ذلك القانون أو مشروع القانون المخيف الذى رفعته الحكومة للمجلس العسكرى والذى يجرم الاعتصامات والمظاهرات ويوقع بالقائمين بها عقوبات مشددة، ليجعل الناس يضربون أخماسا فى أسداس.. فالقانون فى ظاهره يأتى على وقع تزايد الاحتجاجات الفئوية، لكنه فى باطنه يستهدف كل أشكال التظاهر والاحتجاج، بما يعمق حالة الاحتقان والغضب.. فضلا عن أن مصطلح «الفئوية» يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، لأن من بين هذه المظاهرات الفئوية ما يقوم ضد فساد عام، وليس فقط من أجل المطالبة بتحسين الأجور.
إن مصر لاتزال فى حالة ثورة، وبمقتضى القانون المقترح من الممكن أن يصبح أكثر من نصف الشعب المصرى مجرمين ومخالفين للقوانين.
غير أن أكثر ما يثير الفزع أن الحكومة تبدو الآن وكأنها تضع قدما فى ميدان التحرير، والأخرى فى «مصطفى محمود».
الشعب يريد أن يعرف: أية شرعية تحكمنا الآن؟