خطاب تحريضى من الطراز الأول لأوباما

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: الإثنين 25 مارس 2013 - 1:08 م بتوقيت القاهرة

ما إن اقترب موعد زيارة الرئيس الأمريكى أوباما لإسرائيل، حتى توقفت المناورات الحزبية الخاصة بتركيبة الوزارة الجديدة. بعد أكثر من سبعة أسابيع من الشد والجذب جاءت الوزارة الجديدة مطابقة تماماً للتوقعات التى تدوولت فور ظهور نتائج الانتخابات. ضم الائتلاف الوزارى حزب وسطى «هنالك مستقبل»، عملية السلام ليست من أولوياته لكنه لا يعارضها، وحزب وسطى آخر هو «حزب الحركة» الذى عهد إلى رئيسته تسيبى ليفنى تولى ملف المفاوضات. وعلى الجانب الآخر ضم التشكيل حزب «البيت اليهودى» وهو حزب استيطانى فى المقام الأول ويعارض حل الدولتين بل ويرفض الانسحاب من الأساس!

 

•••

 

تعمد المسئولون الأمريكيون منذ الإعلان عن زيارة أوباما للمنطقة أن يُخفِّضوا من سقف التوقعات التى يمكن أن تسفر عنها الزيارة. لكن المتتبع لما كان يجرى قبل بدء الزيارة يكشف مدى الجهد الذى بذلته الإدارة من أجل التحضير للزيارة وتهيئة كل الظروف التى تضمن نجاحها. فنائب الرئيس الأمريكى جو بايدن يذهب لإلقاء خطاب مطول يوم 6 مارس الجارى أمام منظمة الأيباك أقوى ذراع للوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة. قال بايدن كل ما شنَّف آذان الصهاينة. ثم قام أوباما بدعوة رؤساء اثنى عشر منظمة يهودية فى أمريكا للاجتماع به يوم 8 مارس الجارى وقال لهم ما قال. أضف إلى ذلك إدلاء أوباما بحديث للقناة الثانية الإسرائيلية قبل دخوله لإسرائيل بأيام قليلة حرص فيه على تحدى ما سبق أن أكده نتنياهو من أن إيران قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من إنتاج السلاح النووى. أكد أوباما فى حديثه أن إيران إنما تحتاج لعام كامل قبل أن تملك الإمكانيات لإنتاج ذلك السلاح اضطر نتنياهو بعد ذلك للقول بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد سوء فهم بين الجانبين!

 

•••

 

عقد الرئيس أوباما أثناء جولته بالمنطقة عدة مؤتمرات صحفية، غير أن الحدث الأهم، ولعله كان محور الزيارة وهدفها الأول، تمثل فى ذلك الخطاب البليغ الذى ألقاه فى قاعة للمؤتمرات فى القدس يوم 21 مارس الجارى. وجهت السفارة الأمريكية فى تل أبيب الدعوة إلى حوالى 2000 من طلبة الجامعات فى إسرائيل، فيما عدا الجامعة المقامة فى مستعمرة إيريل والتى تحمل نفس اسم المستعمرة. لا يحتاج الأمر إلى تفسير لذلك التصرف، فالمستوطنات عمل غير شرعى ولا تعترف به الولايات المتحدة.

 

رفض أوباما إلقاء الخطاب بالكنيست الإسرائيلى لأن الرسالة التى أراد توجيهها من خلال الخطاب هى رسالة للشباب وليس إلى الساسة والزعامات. ولا أبالغ كثيراً إذا قلت أن الخطاب جاء خطاباً تحريضياً ضد هذه الزعامات، ودعوة صريحة للشباب أن يدفعوا زعماءهم دفعاً لإحداث التغيير المطلوب، وأن تكون أصواتهم أعلى مما يحدثه عن هؤلاء من ضجيج.

 

•••

 

سأدع الإسرائيليين يهنئون قليلاً بما أغدقه أوباما عليهم من أوصاف فى ذلك الخطاب، ويعيشون فى نشوة ما تعهد به أمامهم من دعم، وسأركز عوضاً عن ذلك على ما قاله أوباما فى حق الفلسطينيين:

 

• السلام ضرورة، وهو الطريق الوحيد لتحقيق الأمن.

 

• الوسيلة الوحيدة لبقاء إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية، هى بقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للعيش.

 

• لابد من الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وتمتعه بالعدالة.

 

• ليس من الإنصاف فى شىء أن يُحرم الطفل الفلسطينى من أن ينشأ فى دولة خاصة به، أو أن يعيش تحت ظل جيش أجنبى يتحكم فى تحركات والديه فى كل يوم من الأيام. ليس هذا فقط عندما يمارس المستوطنون العنف ضد الفلسطينيين، إنما أيضاً عندما يتم حرمان الفلسطينيين من فلاحة أراضيهم، ويمنع الطالب الفلسطينى من التنقل بحرية داخل الضفة الغربية، أو عندما يتم تشريد العائلات الفلسطينية إلى خارج ديارهم.

 

• الحل لا يكمن فى الاحتلال أو طرد السكان. وكما قام الإسرائيليون بإنشاء دولتهم فى وطنهم، فإن للفلسطينيين الحق فى أن يكونوا أحراراً فى بلدهم.

 

• المفاوضات أمر ضرورى ولابد أن تؤدى إلى إقامة دولتين لشعبين.

 

• لابد أن يعترف الإسرائيليون بأن استمرار النشاط الاستيطانى سيأتى بعكس ما هو مرغوب من عملية السلام.

 

• إن الزعماء السياسيين لن يقدموا على أية مخاطرة إذا لم يطلب منهم الشعب ذلك. وعلى الشعوب أن تخلق التغيير الذى تريده. وأن أصوات الشباب لابد أن تعلوا على أصوات هؤلاء المتطرفين الذين يبغون كبت هذه الأصوات وإسكاتها.

 

لم أجد وصفاً أبلغ لخطاب أوباما مما قاله «دافيد روثكوف» David Rothkopf المدير التنفيذى لمجموعة السياسة الخارجية، والباحث بمؤسسة كارنيجى للسلام. وصف الكاتب الخطاب بأنه «رائع، وشجاع، وفى الصميم، ويكشف عن براعة وذكاء، وأن هذا الخطاب لابد أن يوضع فى مصاف خطاب أوباما فى جامعة القاهرة فى 3 يونيو 2009 واعتباره مكملاً له». ويرى الباحث أن أوباما قد خاطب الشعب الإسرائيلى متجاوزاً نتانياهو، ومن فوق رأسه.

 

•••

 

والسؤال الذى لابد وأن يكون على كل لسان بعد الزيارة وما صدر عنها هو «وماذا بعد؟». حقيقة الأمر أن أوباما قد أجاب على ذلك بالتأكيد على أن وزير خارجيته سيستمر فى جولاته واتصالاته بمختلف الأطراف من أجل تمهيد الأرضية للبدء فى عملية تفاوضية لا غنى عنها. الأمر الثانى أن الرئيس أوباما أشار فى خطابه إلى الشعب الإسرائيلى يوم 21 مارس الجارى (التسمية الرسمية الأمريكية لذلك الخطاب) إلى أنه «قد اقترح عدة مبادئ حول الأراضى والأمن، يعتقد أنها تصلح لأن تكون قاعدة لانطلاق المفاوضات».

 

ويبدو لى أن أوباما إنما يشير بذلك إلى المبادئ التى كان قد أعلن عنها فى خطابه أمام منظمة الأيباك يوم 22 مايو 2011. فالنسبة للحدود بين إسرائيل وفلسطين ذكر أوباما حينئذ أنها «يجب أن تتأسس على خطوط 1967 مع تبادل للأراضى المتفق عليها

 

Agreed Swaps». وبالنسبة للأمن أوضح أنه «يجب وضع قواعد لعدم العودة للإرهاب، وكذلك منع تهريب السلاح، وتوفير الأمن الضرورى للحدود. ويجب أن يتم الانسحاب الكامل والتدريجى للقوات الإسرائيلية جنباً إلى جنب مع قيام السلطة الفلسطينية بمسئولياتها فوق دولة ذات سيادة ومنزوعة السلاح».

 

•••

 

يبقى بعد ذلك أن تمعن الدولة الفلسطينية النظر فى كل المعطيات السابقة، وفى الآلية التى سيطرحها وزير الخارجية الأمريكى لإعادة إحياء العملية السلمية. وفى نفس الوقت ضرورة التمسك بالحصول على كافة الضمانات التى تحول دون قيام إسرائيل «بالمصادرة على المطلوب» بمعنى استمرار العمليات الاستيطانية وقضم ما تبقى من الأراضى الفلسطينية.

 

 

 

مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved