توسعة شوارع القاهرة الجديدة
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 25 مارس 2021 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
الناظر إلى عمليات توسعة شوارع القاهرة الجديدة، بعد قرب الانتهاء من حوالى 15 كوبرى ومحورا جديدا فى م. نصر، ينتحب على كمِّ المال العام المهدر فى تجريف البساتين القائمة بين الطريق الذاهب والطريق الآيب (الراجع). عند التخطيط الأولى للقاهرة الجديدة، وعندما كانت حركة العمران بها كبيرة مع قلة السكان، كان عرض البساتين يتجاوز العشرة أمتار، اليوم مطالب من توسعة الطرق إلا يزيد عرض تلك البساتين عن المترين.
فى البداية كانت البساتين عبارة عن أرض تكسوها النجيلة المنسقة، وكانت هناك أشجار بسيطة جدًا تعلوها.
منذ أشهر قليلة ماضية بدأت حركة جديدة فى تلك البساتين غرضها وضع أشجار التاكوما ونخل البلح ونخل الزينة وكلها أنواع مرتفعة الثمن، إضافة إلى سرو الليمون والفيكس المنسق بأشكال هندسية ذات مظهر جمالى راق. واستمر هذا التجديد حتى أسابيع قليلة جدًا.
مع إجراء عملية التطوير بتوسعة عديد الشوارع والمحاور المرورية بالقاهرة الجديدة، قامت الجرافات بضرب تلك البنية الشجرية الخضراء وتحميلها على سيارات النقل ضمن الردش والمخلفات بغرض إلقائها فى أكوام خارج القاهرة الجديدة، وبعيدة عن العمران.
الشاهد حتى الآن هو ضياع ملايين الجنيهات، التى أنفقت على تنسيق تلك البساتين، وكلها من أموال دافعى الضرائب، وقد تم ذلك دون حسيب أو رقيب.
الملفت للأمر أن هذا العمل يتم كأى عمل آخر فى الدولة، أى قيام جهاز ما بالعمل دون التنسيق مع باقى الأجهزة، ما يجعل الخسائر تتراكم وتتعاظم. تماما كما كان يحدث منذ عقود عندما كان يتم تركيب شبكة التليفونات الأرضية، فيبدأ الحفر، وبعد الردم وسفلتة الطريق بأيام، يعاد الحفر مرة أخرى لتجديد أو تأسيس شبكة الكهرباء، ثم تتكرر المأساة لشبكة المياه. وكأن القدر قد ابتلى البلاد بأدمغة غير قابلة للتطوير والتنسيق، إن لم يكن بعضها متهما بالفساد والإفساد بغرض الإرباح بالتعاون مع شبكة مقاولى القطاع الخاص القائمين بأعمال الهدم والحفر، وتوريد الأشجار الجديدة وبلدورات الأرصفة والبلاط المسدس والمربع والدائرى.
الغريب فى الأمر أنه خلال عملية تطوير التوسعة، وبغض النظر عن عدم التنسيق الحاصل آنف الذكر، لم يقم أو يخطر ببال القائمين بالتوسعة فى مخاطبة أى مهتم بالزراعة أو شراء الأشجار أو الفسائل أن يقوم بنزع تلك الزراعات بشكل محترم ومهذب، بحيث يعاد استخدام بعضها فى مناطق أخرى، خاصة ونحن اليوم فى موسم نقل الأشجار وغرس الفسائل، ما يعنى أن كم التالف نتيجة عمليات النقل ستكون محدودة، لو تم النقل بعناية وغرسها فى أماكن جديدة فى فرق توقيت ملائم بين النزع وإعادة الغرس. لكن طالما المال كثير، والبعض ينظر إلى عمله دون عمل غيره، ولا يراعى ضميره، فلا حرج من الهدر.
والغريب أكثر، أن كل ما يتم من تنسيق جديد للشوارع يتجاهل بالكلية معضلة القاهرة الجديدة المعروفة للقاصى والدانى وهى تجمع مياه الأمطار بلا صرف يُذكر، ما أدى لوجود أحواض سباحة طبيعية أو بحيرات كاملة المعالم هنا فى موسم الأمطار.
مشكلة أخرى ليست بعيدة عن ذلك تتصل بالميادين أو الصوانى بالعامية المصرية، والتى لزم تقليصها عقب توسعة الشوارع من الاتجاهين وضرب البساتين، وأحيانا بدون توسعه للشوارع. هذه الصوانى يتم التعامل معها سواء اليوم فى القاهرة الجديدة أو فى كل ميادين ربوع مصر، بتقليص متر أو اثنين من محيط الدائرة أو الصينية، ما يلزم بالطبع إعادة التبليط وسفلتة الجزء الذى تم توسيعه، بعدها بأشهر قليلة تبدأ عملية توسعة جديدة بتقليص متر أو اثنين آخرين وهكذا دواليك، وكأن القدر أيضا جعل المحليات هنا على موعد جديد مع الفساد.
فى كل هذه الأمور بالطبع لا تنتهى التكلفة عند الحدود المذكورة، إذ إن هناك تجديدا أو على أقل تقدير نقل لأعمدة الإنارة، وأكشاك الكهرباء، وكذلك عملية مد خراطيم الرى الجديدة بعد أن نزعت الجرافات تلك التى تم تركيبها منذ أسابيع، وكذلك هناك أعمدة إشارات المرور ولوازمها، وتخطيط الأرض التى ستسير عليها السيارات ولوازمها، وإعادة تنسيق فواصل الطريق الأيمن والأيسر ولوازمه.... إلخ.
كل ما سبق ربما يحتاج لتلافيه أن يكون هناك تفعيل لعمليات التنسيق بين الأجهزة التنفيذية المتعلقة بالمحليات وغيرها، وهو ما يعنى وضع الخطط للتنسيق الحضارى والعمرانى بما يشمل البيئة وإدارات المرور والكهرباء والسفلتة وشبكات الصرف الصحى والغاز. ويترافق مع كل ذلك قيام أجهزة الرقابة القضائية كالنيابة العامة والرقابة الإدارية وأجهزة الرقابة السياسية ممثلة فى مجلس النواب بسرعة محاسبة تلك الجهات التنفيذية على هدر المال العام، ومعاقبة المقصرين مهما كانت مواقعهم.