جرائم ضد الإنسانية.. العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
قضايا فلسطينية
آخر تحديث:
الإثنين 25 مارس 2024 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا لدكتور القانون الدولى العام، محمد حربى، تناول فيه أبرز الممارسات والجرائم المرفوضة فى مجال العلاقات الدولية، والتى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلى بحق سكان غزة والضفة الغربية.. نعرض من المقال ما يلى:
ارتكب فى قطاع غزة أكثر من صورة من الجرائم ضد الإنسانية، فقد دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلى أحياء بكاملها وتم استهداف السكان المدنيين بشكل عشوائى بالقتل والاعتقال والتشريد والتهجير القسرى من قطاع غزة، ومارست قوات الاحتلال العقوبات الجماعية والاعتقالات التعسفية الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية التى لا تزال تُرتكب حتى كتابة هذه السطور. وهو ما سوف نوضحه ببيان بعض الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعب الفلسطينى بقطاع غزة على سبيل المثال لا الحصر..
• • •
أولا ــ القتل العمد: يقصد بالقتل العمد إزهاق الروح سواء بسلوك إيجابى أو سلبى، وأيًا كانت الوسيلة التى تحقق ذلك، ويستوى أن تكون هذه الأفعال المعاقب عليها ارتكبت بقصد القتل أو نتج عنها القتل كنتيجة حتمية لهذه الأفعال.
ولكى يكون القتل العمد كإحدى الجرائم ضد الإنسانية فهو الذى يمارس بصفة منتظمة لها طابع الاستمرار والانتشار، دون أن يأخذ شكلًا فرديًا موجهًا إلى إنسان بذاته، فقد يكون قتلًا جماعيًا أو جزءًا من ممارسة الإبادة، وقد يكون قتلًا فرديًا موجهًا ضد أشخاص معينين بذواتهم كنوع من الترهيب.
وتضمنت المادة (۷) فقرة (أ) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية أركان جريمة القتل العمد التى تشکل جريمة ضد الإنسانية وهى: أن يقتل المتهم شخصًا أو أكثر. أن يرتكب السلوك کجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجى موجه ضد سكان مدنيين. أن يعلم مرتكب الجريمة أن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجى موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوى أن يكون هذا السلوك جزءًا من ذلك الهجوم وهو ما يؤكده التوجه نحو اعتماد المفهوم الموسع الذى أخذت به المادة (7) من نظام روما الأساسى.
• • •
ثانيًا ــ جريمة الإبادة: يُعد جوهر جريمة الإبادة فى إنكار حق بقاء مجموعات بشرية بعضها أو كلها، فضلًا عن منافاتها للأخلاق ومبادئ الأمم المتحدة، ولارتكاب فعل الإبادة يلزم أن يقتل مرتكب الجريمة شخصًا أو أكثر بما فى ذلك إجبار الضحايا على العيش فى ظروف تؤدى حتمًا إلى هلاك جزء من مجموعة من السكان، ویمکن أن تشمل هذه الظروف الحرمان من إمكانية الحصول على الأغذية والأدوية، وهى ما تفعله دولة الاحتلال حاليًا فى قطاع غزة من منع وصول المساعدات الإنسانية للقطاع. وقد أدرجت الإبادة كجريمة دولية وكجريمة ضد الإنسانية فى جميع المواثيق الدولية. وزاد الاحتلال من حرب الإبادة والانتقام من السكان المدنيين للضغط على المقاومة.
• • •
ثالثًا ــ الإبعاد والنقل القسرى للسكان: هذا النقل دون مبررات يسمح بها القانون الدولى هو أمر محرم، أيًا كان المكان الذى سوف يُنقلون إليه، فلا يوجد أى سبب أو دافع قانونى أو شرعى لإجازة مثل هذه التصرفات؛ نظرًا لما تتركه من انعكاسات جسيمة على المنقولين لإبعادهم عن ديارهم وفقدان ممتلكاتهم وفقدان أمنهم واستقرارهم.
ویُقصد بالإبعاد القسرى نقل مجموعة كبيرة من السكان بالقوة من منطقة إلى أخرى ضمن سياسة حكومية أو طبقًا لسلطة دولیة؛ بحیث يتم ذلك علی أساس إثنى أو دينى ويشمل كلًا من النقل والإخلاء القسرى والترحيل القسرى وإجبار السكان عن الابتعاد عن موطنهم وأملاكهم.
وتعرف المادة (7/2/د) من النظام الأساسى إبعاد السكان أو النقل القسرى للسكان بأنه: «نقل الأشخاص المعنيين قسرًا من المنطقة التى يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأى فعل قسرى آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولى»، وبذلك يخضع هذا الفعل للتجريم ويدخل فى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتى بالنسبة للدولة التى تستند إلى قوانين من صنعها أو تحت دواعى الأمن مادام الفعل لا یسمح به القانون الدولى.
وذلك ما فعلته دولة الاحتلال الإسرائیلى بإبعاد سكان غزة عن موطنهم، فالعبرة بإرغامهم قسرًا على نقلهم من مكان لآخر دون رضاهم، ويكون الإرغام ليس بالقوة المادية فقط، فممكن أن يتخذ أشكالًا أخرى كالتهديد باقتراف أفعال إجرامية ضدهم كالخطف، وقد يشمل التهديد باستخدامه أو القسر الناشئ عن الخوف من العنف والإكراه والاحتجاز والاضطهاد النفسى وإساءة استخدام السلطة من هذا الشخص المعنى أو أى شخص آخر أو استغلال بيئة قسرية.
وتم ذلك فى قطاع غزة حيث صدر بيان عن منظمة الأونروا فى الأيام الـ100 الماضية، بأن تسبب القصف المستمر فى جميع أنحاء قطاع غزة فى نزوح جماعى لمجتمع فى حالة تغير مستمر، حيث تواصل إجبارهم على مغادرة أماكن معيشتهم، فقط للانتقال إلى أماكن غير آمنة بالقدر نفسه، وكان هذا أكبر تهجير للشعب الفلسطينى منذ عام 1948، وأثرت هذه الحرب فى أكثر من 2 مليون شخص أى جميع سكان غزة.
وسيعانى الكثير منهم مدى الحياة، جسديًا ونفسيًا، وتعانى الغالبية العظمى ــ بما فى ذلك الأطفال ــ من الصدمات الشديدة؛ حيث تسبب القتال العنيف فى خان يونس (جنوب غرب غزة) على مدى الأسابيع الأربعة الماضية بخسائر فى الأرواح وأضرار فى البنية التحتية المدنية، ويشمل ذلك أكبر ملجأ للأونروا فى المنطقة الجنوبية، مركز تدريب خان يونس وهذا ما يجبر الآلاف على الفرار جنوبًا باتجاه رفح، التى تشهد اكتظاظًا شديدًا. وتم الإبلاغ عن تحركات للسكان من رفح باتجاه مخيمى دير البلح والنصيرات للاجئين فى المنطقة الوسطى، فى أعقاب تكثيف الغارات الجوية على رفح، وحتى 17 فبراير الماضى نزح ما يصل إلى 1,7 مليون شخص (أو أكثر من 75 بالمائة من السكان) فى مختلف أنحاء قطاع غزة، ويتم إجبار العائلات على الانتقال بشكل متكرر بحثًا عن الأمان، وفى أعقاب القصف الإسرائيلى المكثف والقتال فى خان يونس والمناطق الوسطى فى الأيام الأخيرة انتقل عدد كبير من النازحين مرة أخرى إلى الجنوب.
• • •
رابعًا ــ السجن أو الحرمان الشديد على أى نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولى: المقصود بالسجن المشكل للجريمة ضد الإنسانية هو العقوبة المطبقة على شخص ما بدون سند شرعى فلا يكون السجن هنا تنفیذًا لحكم قضائى، فالمقصود منها تلك المعاملات التى تلجأ إليها بعض السلطات أو الحكومات بطريقة غیر شرعية، وهو ما حثّ المجتمع الدولى على التدخل لتجريم كل الأفعال السالبة للحرية متى شکلت خرقًا للقانون الدولى.
والاحتجاز التعسفى يتنافى مع حقوق الإنسان المكفولة للأفراد والمعترف بها فى المادة (9) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمادة (9) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتشمل الفقرة الفرعية وهى أيضًا حالات الاحتجاز الواسعة النطاق أو المنهجية مثل معسكرات الاعتقال الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين.
• • •
خامسًا ــ الاختفاء القسرى للأشخاص: تعد جريمة الاختفاء القسرى من أخطر الجرائم ضد الإنسانية وذلك لما تترکه من آثار سلبية فى نفسية كل من الضحية وأهلها؛ نظرًا لما يخلفه غياب الضحية المفاجئ، وجريمة الاختفاء القسرى فى بعض الأحیان تنقلب إلى المساس بالحياة؛ لأن الضحايا فى أغلب الأحيان لا يعودون، فالاختفاء القسرى يقوض أعمق القیم رسوخًا فى أى مجتمع ملتزم باحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والحریات الأساسية، وإن ممارسة هذه الأفعال على نحو منتظم يُعد بمثابة جريمة ضد الإنسانية، فكان لزامًا الحد من هذه الظاهرة وبغية منعها سواء فى حالة السلم أو الحرب، فبادرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار إعلان بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسرى.
ووفقًا لتقرير منظمة الأونروا وقعت عدة عمليات تفتيش واعتقال نفذتها القوات الإسرائيلية أدت إلى مواجهات مع الفلسطينيين؛ حيث نفذت القوات الإسرائيلية عمليات التفتيش والاعتقال التالية: فى فبراير الماضى، اعتقل ستة فلسطينيين خلال عملية تفتيش واعتقال فى عزون شمال الضفة الغربية. نفذت قوات الاحتلال عملية تفتيش واعتقال فى طولكرم شمال الضفة الغربية. وكذلك نفذت قوات الاحتلال عملية تفتيش واعتقال فى بيت أمر جنوب الضفة الغربية، وغيرها.
• • •
سادسًا ــ جريمة الاضطهاد: تُعد جريمة الاضطهاد أكثر الجرائم ضد الإنسانية أهمية وأشدها خطورة نظرًا لما تنطوى علیه من تمیيز شديد فى المعاملة، وهو ما دفع بعض فقهاء القانون الدولى الجنائى لتسميتها بجرائم الكره، فالاضطهاد جريمة عنصرية يعتمد فيها الجانى أو الجناة حرمان ضحاياهم من حقوقهم الأساسية على نحو يخالف القواعد المستقرة فى القانون الدولى، وعلى ذلك استقر الرأى على أن الاضطهاد لا يتم لأسباب دينية أو سياسية أو عنصرية، وإنما أيضًا لأسباب قومية أو عرقية أو متعلقة بنوع الجنس.
والاضطهاد يتخذ أشكالا عديدة، ولكن سمته المحورية هى الحرمان من حقوق الإنسان الأساسية التى يحق لكل فرد التمتع بها دون تمييز، وهو ما تم مع الشعب الفلسطينى فى جميع عمليات الاجتياح الإسرائيلى.
• • •
ختامًا، فإنه لمواجهة تلك الجرائم التى ارتكبتها دولة الاحتلال فإن على دول العالم أن تضطلع بمسئوليتها والتزاماتها الدولية للعمل على ملاحقة إسرائيل عما ارتكبته من جرائم دولية بحق الشعب الفلسطينى، وتحملها المسئولية الدولية المدنية والجنائية عما اقترفته فى فلسطين، وعدم إخضاع تلك المسئوليات لاعتبارات سياسية.
النص الأصلي