عن ما جرى فى قنا

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 25 أبريل 2011 - 9:34 ص بتوقيت القاهرة

يفتح ما جرى فى قنا الباب واسعا أمام رؤى جديدة لكيفية اختيار المحافظين والمسئولين التنفيذيين على وجه العموم، وبديلا عن فرض المحافظ «حاكم الإقليم» عبر السلطة المركزية فى العاصمة، تبلورت رؤيتان جديرتان بالدراسة: أولاهما أن يكون تعيينه بالانتخاب من أبناء المحافظة، ولفترة واحدة مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، والثانية أن يتم اختياره عبر «إعلان شغل وظيفة»، توضع لها المعايير والشروط الواجب توافرها فيمن يتقدم لشغلها، من حيث الكفاءة والمستوى التعليمى والقدرات القيادية والنفسية، وتتلقى لجنة مشهود لها بالنزاهة والاستقامة طلبات المتقدمين، وتمنح وظيفة «محافظ» للأجدر بها وفق المعايير المتفق عليها.

ميزة الانتخاب، أنه يعطى الفرصة لأهالى الإقليم أن يختاروا من يتولى شئونهم، على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، كما أن المحافظ ابن الإقليم هو أدرى بأهله واحتياجاتهم، ويعيب هذا الأسلوب، أن الاختيار قد تشوبه عصبية وانحياز قبلى كما يجرى عادة فى الانتخابات البرلمانية، كما أن الشخص الذى سيتم انتخابه قد يسعى لمجاملة من انتخبوه بتلبية طلباتهم بصرف النظر عن أحقيتهم أو مدى مشروعية مطالبهم، وفى المقابل، سيرفض تنفيذ مطالب من لم ينتخبوه مهما كانت عدالتها، وليس عسيرا فى ظل انتخاب قائم على القبلية والانتماء العائلى، أن يتم الفرز بين المؤيدين والرافضين، بين من قالوا «نعم» ومن قالوا «لا» .

وميزة الأسلوب الثانى، اى الاختيار بطريقة شغل وظيفة شاغرة، أنه يحتكم إلى معايير موضوعية، ليس بينها ديانة المتقدم للوظيفة، أو سابق انتمائه للمؤسسة الأمنية أو العسكرية، ويعيبه أنه قد يفرض على أهالى الإقليم شخصا لا يريدونه، فنفاجأ باعتصامات ومظاهرات ترفض تعيين محافظ ليس من أبناء المحافظة فى أحسن التأويلات، أو ليس من ديانة غالبية أهلها فى أسوئها .
عندى اقتراح ثالث يمزج بين الأسلوبين، وهو أن يتم الإعلان عن شغل وظيفة محافظ وفق المعايير المتفق عليها، على أن تكون الأولوية لأبناء المحافظة فى حالة تساوى الأبناط بين المتقدمين، فى هذه الحالة سيحصل على الوظيفة من يستحقها بصرف النظر عن ديانته، فإن كان من أبناء المحافظة فخير وبركة.

وليس أهم من طريقة اختيار المحافظ ــ برأيى ــ سوى أسلوب تقييم أدائه، الذى ينبغى أن يخضع هو الآخر لمعايير صارمة، تجيز إقصاءه لو ثبت تقصيره أو انحرافه، كما أن اعتلاءه المنصب ينبغى أن يكون مشروطا بتحقيق أهداف بعينها وفق جدول زمنى صارم، ويحاسب عليها أولا بأول من قبل رئيس الحكومة وليس أعضاء المجس المحلى.

وأتمنى أن يمنح المحافظون درجة عالية من الاستقلالية عن سلطة الحكومة المركزية، تتيح لهم الاستفادة من موارد محافظاتهم بتنميتها ورفع مستوى الخدمات فيها، وتشجعهم على المساهمة فى حل مشكلات الدولة المستعصية فى التعليم والصحة والتشغيل وغيرها، وأن يكون المحافظ الأكفأ هو من يحقق نجاحات فى خفض مستوى البطالة والفقر والأمية فى محافظته على سبيل المثال، ويكون هذا المعيار وسيلته للارتقاء إلى الوزارة ثم رئاسة الحكومة والدولة.

عندى رجاء أخير، لا تهولوا كثيرا من حجم «الثورة المضادة»، ولا تصدقوا أن كل ما يجرى فى المحروسة هو من صنع «فلول الحزب الوطنى» و«أذناب النظام البائد»، أكثر ما يجرى هو نتاج تشوهات عمرها يزيد على نصف قرن، واختراق الخيوط الواهنة بين الحرية والفوضى لدى البعض، محصلة سنوات طويلة من الغفلة والتغفيل، فالاستبداد يكسر الأرواح ويسحق الكبرياء فى النفوس، والفساد يزلزل القيم ويقلب عاليها سافلها.

هل تعرفون فى أى زمن كنّا نعيش، إليكم قول ابن الرومى:

عصر سما قدر الوضيع به

وغدا الشريف يحطّه شرفه

كالبحر يرسب فيه لؤلؤه

سفلا وتطفو فوقه جيفه

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved