خطاب أوباما.. السطور وما بينها

نبيل عمرو
نبيل عمرو

آخر تحديث: الأربعاء 25 مايو 2011 - 8:52 ص بتوقيت القاهرة

خطاب الرئيس باراك أوباما الموجه للفلسطينيين والعرب، تميز عن خطبه السابقة، بتحديدات واضحة يحتاجها العرب والمسلمون والفلسطينيون لمعرفة السياسة الأمريكية على حقيقتها بعد عامين طويلين من الالتباس وسوء الفهم وطغيان الرغائبية سلبا أو إيجابا فى التقويم.. ومع وضوح النص.. إلا أن ما بين السطور كان أكثر وضوحا.

•••

لقد قال أوباما للعرب: «إن قدراتنا فى دعمكم تقف عند هذا الحد، ولولا مبادرة الشعب التونسى والمصرى لظلت السياسة الأمريكية فى المنطقة على حالها.. داعمة لحلفائها حتى لو كانوا سدنة أعتى الدكتاتوريات فى هذا العصر، ولأول مرة فى تاريخ العلاقات الأمريكية العربية يعترف الرئيس الأمريكى بقدرة بائع خضار تونسى على تحديد إيقاع جديد للسياسة الأمريكية فى أكثر المناطق فى العالم إشكالية وهى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ناهيك عن اعترافه بقدرات شعب مصر على رسم خريطة جديدة للمنطقة بأسرها بعد أن كانت مصر قبل الثورة هى النموذج التحالفى الأفضل لأمريكا فى المنطقة والعالم.

ولقد قال أوباما للعرب كذلك: إن العلاقة ذات الطبيعة الاستهلاكية التواكلية التى استبدت بالطرفين على مدى عقود لن تكون ذات مفعول بعد الربيع العربى ذلك أن اللعب مع أمريكا لا يحتاج الى ولاء عاجز، أو ولاء ساذج، من نوع «نحن معكم وهذه مفاتيح بلادنا بين أيديكم فافعلوا ما تشاءون».

•••

إن معادلة كهذه لابد أن تفضى يوما ما إلى عكسها، حين تكون نظم الولاء المريح والساذج، غير قادرة على لعب دور النظم المقبولة لدى شعوبها، والمنسجمة مع قوانين واعتبارات العصر ذلك أن القول لأمريكا نحن معك مجرد متلقى أوامر قد يضرب المصالح الأمريكية الأساسية فى بلدان هذه النظم إما نتيجة قمع شرطية متعالية لبائع الخضار الساخط وإما جراء إرسال الجمال إلى ميدان كميدان التحرير حيث فصل الختام لحقبة انتهت ويوم البداية المحسومة لحقبة أتت.

هذا جوهر ما قاله أوباما فى خطابه العربى، إلا أن ما قاله للفلسطينيين كان أوضح وأكثر تحديدا.

لقد حاول الرئيس أوباما الاستفادة من سنتين تردى فيهما من فشل لآخر، بعض الفشل كان بفعل التمادى فى الحلم والتخيل انطلاقا من إيقاع ظاهرته الجديدة، كأول رئيس يطرح التغيير الشامل فى السياسة الأمريكية كمنهج جديد وكان الشرق الأوسط أحد ميادين أحلامه الوردية ورهاناته الحاسمة.

وكل الفشل جاء من إسرائيل، حيث رئيس الوزراء هناك كائنا من كان يعرف عن مكامن التأثير فى أمريكا أكثر مما يعرف الرئيس الجديد لذا فما اضطر أوباما لمنازلة مع نتنياهو إلا وكان الخاسر فيها.

بعد سنتين من الوعود والمحاولات والأخذ والرد أظهر الرئيس أوباما نضوجا براجماتيا شرق أوسطى أفضل بكثير مما كان الأمر عليه فيما مضى لقد خاطب الفلسطينيين صراحة بما يجب أن يعرفوا لا ما يحبون أن يسمعوا.

قال لهم دون مواربة لا تضيعوا وقتكم فى الرحلة الاحتفالية المريحة إلى الأمم المتحدة، إن أمريكا لن تفهم الذهاب إلى هناك على أنه سلوك فلسطينى لإثبات الحق البديهى وتعزيزه بل إنها سوف تفهمه على أنه محاولة لنزع الشرعية عن دولة اسرائيل وهذا خط أحمر.

•••

ذلك يعنى عمليا لو أن الفلسطينيين واصلوا الرحلة إلى الأمم المتحدة فسيكون لذلك ثمن باهظ يدفعونه دون أن يقبضوا شيئا وقال لهم كذلك إن للولايات المتحدة قوالبها الجاهزة للحل فإما أن تدخلوا فيها أو لا تدخلوا، أما أن تتغير هذه القوالب بفعل حوار أو مناورة فهذا أمر هو المحال بعينه والقالب الأساسى هنا، هو الجلوس على طاولة المفاوضات دون قيد أو شرط ولا أمل لكم ولغيركم فى أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا أو تقدم ضمانات فأنتم والإسرائيليون من يتعين عليهم خلع الأشواك أما أمريكا فهى داعم لما تتفقون عليه.

وقال للفلسطينيين كذلك إن الاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود الذى قدمته منظمة التحرير كشرط مسبق للاعتراف الأمريكى والإسرائيلى بها، أضحى ناقصا بعد اتفاق المصالحة مع حماس فمثلما فعلتها المنظمة يتعين على حماس أن تفعلها وإلا سيظل الجانب الفلسطينى كله مدينا لإسرائيل فى أمر الاعتراف رغم كل ما قدم على هذا السبيل.

•••

إن ما قاله أوباما وما ينبغى أن يفهم منه حقيقة هو بالتأكيد لا يعجبنا ولا يتناسب مع يقيننا بعدالة قضيتنا وحقوقنا إلا أنه هذه المرة جاء أكثر من واضح وليس أمام القيادة الفلسطينية إلا أن تقول قولا واحدا: «نحن مستعدون للعب مع أمريكا على هذا الأساس» وإلا سنذهب فى اتجاه آخر.

هذا ما قاله أوباما وما ينبغى أن يفهم منه وأى فهم آخر ربما يكون المقصود منه حفظ ماء وجه مرحلة فلسطينية أمريكية طويلة، كان الافتراضى فيها أكثر من الحقيقى حتى وصلنا إلى ما وصلنا اليه.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved