الجيش المصرى.. والسياسة والحكم


حسين عبد الرازق

آخر تحديث: السبت 25 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تراهن قوى شعبية وأحزاب وقوى سياسية على القوات المسلحة وقيامها بالتحرك لإسقاط حكم جماعة الإخوان بعد أن قادت الجماعة ورئيس جمهوريتها «د. محمد مرسى» البلاد إلى حافة الهاوية، وأدت ممارساتها إلى انهيار الدولة وفقدان الأمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأحوال الناس المعيشية وسقوط دولة القانون.

 

البعض يدعو إلى ذلك صراحة ويحرض عليه، وآخرون يتوقعون ذلك ويتمنونه دون إعلان أو تصريح. بينما يعارض سياسيون وأحزاب ديمقراطية عودة القوات المسلحة للمشهد السياسى وتولى المسئولية.

 

وتلعب القوات المسلحة دورا سياسيا فى إدارة البلاد منذ قام تنظيم الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952 بإسقاط النظام القائم فى البلاد، تم عزل الملك فى 26 يوليو وإلغاء النظام الملكى فى 18 يونيو 1953 سواء كان هذا الدور مباشرا أو غير مباشر.

 

وقبل انتهاء الفترة الانتقالية دار جدل طويل حول دور القوات المسلحة ومجلسها الأعلى بعد الفترة الانتقالية بين اتجاهين:

 

اتجاه يتبنى تحديد دور سياسى للقوات المسلحة فى الدستور الجديد، ويطالب بتبنى وثيقة «اعلان مبادئ أساسية» تحكم صياغة الدستور، وتوضح دور القوات المسلحة فى ظل حكومة مدنية وتعطيها الحق فى التدخل لحماية الوحدة الوطنية والدولة المدنية وحماية المصالح الاقتصادية للقوات المسلحة وإبقاء ميزانية القوات المسلحة بعيدة عن رقابة المجلس التشريعى والرقابة الشعبية كـ«ضمان للأمن القومى».

 

وبالمقابل كان هناك اتجاه يرفض دور سياسى للقوات المسلحة فيما بعد الفترة الانتقالية ويعارض بشدة النص على هذا الدور فى «إعلان المبادئ الأساسية للدستور». وعبر عن هذا الاتجاه عشرات من الكتاب والساسة والمتحدثين باسم الأحزاب السياسية الديمقراطية بل وعسكريين سابقين.

 

•••

 

ولجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصدار دستور مكمل فى 17 يونيو 2012 ينص على أن يؤدى رئيس الجمهورية المنتخب (الجديد) اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية قبل توليه لسلطاته، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يباشر سلطة التشريع لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد ومباشرته لاختصاصه. كما نص على أن يشكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة جمعية تأسيسية جديدة لصياغة الدستور إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها. ومنح الإعلان الدستورى المكمل رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة «ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى أو خمسة أعضاء الجمعية التأسيسية ــ كل على حدة ــ طلب إعادة النظر فى أى نص فى مشروع الدستور إذا وجده متعارضا مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية، وإذا أصرت الجمعية التأسيسية على إبقاء النص كما هو فله الحق فى طلب عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا ويكون قرارها ملزما للكافة».

 

كان هذا الإعلان الدستورى يعنى بوضوح استمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى لعب دور أساسى فى السياسة والحكم، وأنه شريك مع رئيس الجمهورية فى إدارة شئون البلاد.

 

ولم يتأخر الرد كثيرا.. فقد أصدر الرئيس د. محمد مرسى «إعلانا دستوريا» تضمن إلغاء الإعلان الدستورى «المكمل» الصادر فى 17 يونيو 2012، وإدخال تعديلات على الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 والذى يعد بمثابة دستور مؤقت لحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية حتى صدور الدستور الجديد بعد الانتهاء من صياغته، وتلا ذلك الإعلان إصدار الرئيس مرسى بناء على الصلاحيات التى أصبحت له بالإعلان الدستورى الجديد (إعلان 12 أغسطس) قرار بإقالة رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائد العام وزير الدفاع «المشير محمد حسين طنطاوى» ورئيس أركان حرب القوات المسلحة «الفريق سامى عنان» وعدد آخر من قادة الأسلحة والأفرع الرئيسية الذين يسبقون فى الأقدمية اللواء أركان حرب «عبد الفتاح السيسى» مدير المخابرات الحربية الذى رقاه مرسى إلى رتبة فريق أول وعينه قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربى، وكذلك ترقية اللواء أركان حرب «صدقى صبحى سيد أحمد» الى رتبة فريق وتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة.

 

وبدا وكأن الأمور استقرت لصالح سيطرة د. محمد مرسى ــ ومن خلفه مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ــ وهو ما دفع رئيس الجمهورية لإصدار إعلان دستورى جديد فى 22 نوفمبر 2012 نص على جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أى جهة أخرى منذ تولى د. محمد مرسى لمنصب رئيس الجمهورية حتى انتخاب مجلس شعب جديد، وإقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود وتعيين نائب عام جديد اختاره رئيس الجمهورية هو المستشار طلعت إبراهيم، ومنح مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لصياغة الدستور حصانة ضد الحل ومد عمل الجمعية التأسيسية لفترة من 4 إلى 6 شهور، وإعادة محاكمة المتهمين فى القضايا المتعلقة بقتل وإصابة وإرهاب المتظاهرين أثناء الثورة.

 

•••

 

وفى ظل الإعلان الدستورى الباطل انتهت الجمعية التأسيسية من صياغة الدستور فجر 30 نوفمبر 2012 ورفعه لرئيس الجمهورية الذى أصدر قراره بالاستفتاء عليه فى 15 ديسمبر 2012 وإقراره.

 

ولكن تطورات الأحداث فى الأسابيع القليلة الماضية طرحت احتمال وجود خلافات وصراعات بين الرئيس وجماعة الإخوان فى جهة والمؤسسة العسكرية فى جهة أخرى.

 

وعادت الدعوة لتحرك القوات المسلحة وتولى إدارة البلاد للارتفاع مرة أخرى. ولم يكن هناك اتفاق حول هذه الدعوة، فأحزاب وقوى سياسية وحركات وائتلافات عارضتها بقوة، بينما توقع باحثون وخبراء وساسة ألا تتحرك القوات المسلحة إلا فى حالة انهيار الدولة، دون أن تتولى الحكم.

 

وطبقا لما نشر حول لقاء الفريق عبدالفتاح السيسى مع جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية خلال زيارته لمصر، فقد أكد السيسى أن القوات المسلحة المصرية ملك لجميع طوائف الشعب المصرى، ولن تتدخل فى المشهد السياسى إلا إذا رأت أن هناك مخاطر تهدد الأمن القومى المصرى، لكن خلاف ذلك فهى بعيدة عن المعترك السياسى ومنحازة فقط للشعب دائما وفقا لعقيدة القوات المسلحة التى لا تتجزأ. وأضاف السيسى «ليس معنى أن القوات المسلحة أكدت أنها لن تتدخل فى السياسة أنها سوف تجلس فى مقاعد المتفرجين لأن ذلك غير صحيح، لأنه إذا ساءت الأمور فدور القوات المسلحة هو حماية الوطن وحماية المنشآت الحيوية وحماية المواطنين».

 

•••

 

الخلاصة أن تدخل القوات المسلحة فى المشهد السياسى وتوليها أو مشاركتها فى إدارة وحكم البلاد وارد فى حالة انهيار الدولة المصرية وتهديد الأمن القومى.

 

والمشكلة أن تفكيك الدولة المصرية وانهيارها أحد أهداف سلطة جماعة الإخوان لتقيم بدلا منها الدولة الدينية. والسياسة التى يطبقها د. محمد مرسى والجماعة منذ صعودهم للسلطة تمثل تهديدا متصاعدا للأمن القومى المصرى.

 

وليس هناك طريق لوقف خطر الدولة الدينية وخطر استبدالها بالدولة العسكرية إلا بعمل مشترك بين الأحزاب والقوى السياسية والحركات الاحتجاجية والاجتماعية والنقابات من أجل حماية الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

 

وهذا هو التحدى الذى تواجهه جبهة الإنقاذ وكل القوى الديمقراطية.

 

 

الأمين العام لحزب التجمع

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved