إيران تستعد لانتخاب رئيس متشدد

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 25 مايو 2024 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

فور الإعلان عن حادثة الطائرة المروحية التى أودت بحياة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وعدد من رفاقهما، كرت سبحة التحليلات حول تأثير هذه الحادثة على مستقبل الوضع الإيرانى. تتمحور الأسئلة والتحليلات حول أربعة أمور؛ أولها إذا كانت الحادثة مُدبّرة أم أنها قضاء وقدر بفعل الأحوال الجوية السيئة، وثانيها كيفية تفاعل الشارع الإيرانى مع الحادثة لا سيما فى ضوء سلسلة الاحتجاجات الشعبية التى عاشتها إيران فى السنوات الماضية، وثالثها كيف ستتم إدارة البلاد خلال الخمسين يوما التى تفصل عن الانتخابات الرئاسية، وآخرها مدى تأثير غياب رئيسى وفريقه على الداخل الإيرانى كما على الصعيدين الإقليمى والدولى لا سيما فى ظل العدوان الإسرائيلى على غزة والضفة الغربية ولبنان والمستمر منذ حوالى الثمانية أشهر.

• • •

إن طبيعة الحادث ومكانه وظروف حصوله يجعل من الكلام عن أسبابه خلال الأسابيع أو حتى الأشهر القليلة المقبلة ضربا من ضروب التنجيم، لأن تحديد الأسباب يتطلب أولاً سحب حطام الطائرة من مكان الحادث، وهو واد سحيق فى وسط غابة، وإعادة تجميع الحطام قطعة قطعة لتبيان ما إذا كان هناك أى عمل تخريبى أو تفجير داخلى أو اعتداء خارجى على الطائرة، وهذا كله يتطلب الكثير من الوقت والخبرات. وبعد كل ذلك من المؤكد أن العامل السياسى سيلعب دورا فى إعلان النتائج، وفق المصالح الوطنية العليا للدولة الإيرانية.

• • •

أما عن تفاعل الشارع الإيرانى مع الحادثة، فقد جاءت الإجابة على ذلك سريعة من خلال الحشود المليونية التى شهدتها العاصمة طهران والمدن التى طافت عليها الجنازة الجماعية، ومن الواضح أن الإدارة السياسية للبلاد أرادت من هذا التشييع المتنقل فى المدن الإيرانية أن تؤكد أن النظام ما يزال يتمتع بشعبية كبيرة وأن الاحتجاجات الشعبية التى حصلت خلال السنوات القليلة المنصرمة لم تنل من مشروعية النظام الشعبية، على عكس ما عملت وسائل الاعلام الغربية على ترويجه.

• • •

فى موضوع إدارة البلاد خلال المدة الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية، فإن العارفين بطبيعة النظام الإيرانى يدركون أن منصب الرئيس وحكومته هو عبارة عن سلطة تنفيذية، أما سلطة صناعة القرار الفعلية فى هذا النظام فهى للمرشد الأعلى للثورة (آية الله على خامنئي)، وقد بدا واضحاً أن العملية الانتقالية جرت بسلاسة مطلقة من خلال تولى النائب الأول لرئيس الجمهورية محمد مخبر الرئاسة بالإنابة وتولى كبير المفاوضين الإيرانيين فى الملف النووى على باقرى منصب وزير الخارجية بالإنابة، وتداعى أركان النظام إلى البدء بالتحضير للانتخابات الرئاسية فى أواخر يونيو المقبل، فضلاً عن انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة آية الله محمد على موحدى كرمانى لمدة سنتين. الإسراع فى تنفيذ آلية العملية الانتقالية المحددة فى الدستور الإيرانى، يهدف للقول للعالم إن إيران دولة مؤسسات ولا تتأثر بغياب مسئول كبير بحجم رئيسى أو عبد اللهيان وفى جزء آخر من الأمر أيضا أن الإدارة السياسية للبلاد لا تريد أن تُبعد الأضواء عن المجازر التى يرتكبها العدو الصهيونى فى قطاع غزة والضفة الغربية، ومن هنا كان لافتا للانتباه أن الكلمة الوحيدة التى ألقيت فى تشييع رئيسى ورفاقه فى طهران كانت لرئيس المكتب السياسى فى حركة حماس اسماعيل هنية، وقد كان ذلك رسالة إيرانية قوية تؤكد أن شيئا لن يتغير فى سياسة إيران الداعمة للقضية الفلسطينية وقوى المقاومة من فلسطين إلى اليمن والعراق مرورا بلبنان.

• • •

لأن المرشد الأعلى هو السلطة العليا فى البلاد وفى مكتبه تتجمع المعطيات وتوازنات البلاد، تكون الكلمة العليا له، وبالتالى، فإن السياسة التى انتهجها الرئيس الراحل رئيسى هى السياسة التى حدّد معالمها المرشد وبالتالى لا تتأثر بغياب الرئيس، أو بانتخاب رئيس آخر. وفى استشراف لما يُمكن أن تُسفر عنه الانتخابات الرئاسية فى الشهر المقبل، فإن فريق المحافظين بات يُمسك بكل مفاصل الدولة الإيرانية للمرة الأولى منذ انتصار الثورة الإيرانية. يعنى ذلك فى ظل حكومة «إسرائيلية» هى الأكثر يمينية وتطرفا فى تاريخ الكيان وما تحظى به من دعم أمريكى مفتوح، وفى ظل احتمالات وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة فى الخريف المقبل، من غير المرجح أن ينعقد النصاب السياسى لمصلحة الإتيان برئيس إصلاحى، وأغلب التقديرات تُرجح وصول رئيس متشدد، وقد أشارت بعض الصحف الإيرانية إلى أن رئيس البرلمان الإيرانى الحالى محمد باقر قاليباف يُمكن أن يكون الأوفر حظا فى الظروف الراهنة، لما يتمتع به من دعم من الحرس الثورى، ومن سمعة جيدة فى الإدارة بعد أن كان رئيسا لبلدية طهران (عدد سكانها حوالى 12 مليون نسمة). لكن آلية الوصول إلى الترشيحات الرئاسية تجعل من السابق لأوانه التنبؤ بهوية الرئيس المقبل، لأن على المرشحين قبل الحصول على بطاقة الترشيح أن يحصلوا على موافقة «مجلس تشخيص مصلحة النظام» على ترشحهم، وهو المجلس الذى صار بغالبية أعضائه من المتشددين، ويعمل، كما جرت العادة، تحت سقف المرشد. إن تجاوز الجمهورية الإسلامية فى إيران تداعيات الحادث يُشير بما لا يقبل الشك إلى أن الدولة العميقة فى إيران ما تزال قوية وتعتمد العمل المؤسساتى بدقة متناهية وأى رهان على زعزعة النظام الإيرانى هو رهان ضعيف للغاية.

موقع 180 النص الأصلي: https://bitly.cx/5U3Kd

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved