نظرة نحو جنوبنا (٢-٢)
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 25 يونيو 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
يبقى الخطر الثانى وهو التحدى الإيرانى لمنطقة البحر الأحمر الذى توسع وتعمق منذ عام 2009 تقريبا. إيران لها مطامع إقليمية عقائدية، غير خفية. فإضافة إلى تمددها فى الهلال الخصيب من العراق إلى لبنان، لنظامها مطامع تاريخية فى الجزيرة العربية، تتجسد فى النهاية بالسيطرة على مناطق فى شرق وجنوب السعودية، للوصول إلى أقدس مقدسات المسلمين، مكة والمدينة. لذلك فإن الوصول إلى البحر الأحمر يخدم هكذا استراتيجية لتطويق المملكة. كما تحتاج للمرور عبر قناة السويس للوصول إلى الساحل السورى واللبنانى، عبر المتوسط. من هذا المنطلق، دعم النظام الإيرانى ميليشيات الحوثى منذ انطلاقتها العسكرية نحو عام 2010 من صعدة، شمال اليمن. ودخلت طهران حرب اليمن بهدف إقامة جيش إيرانى على حدود الحجاز وعلى مسافة جغرافية خطرة من مكة والمدينة، القلب الروحى للعالم الإسلامى. ووصولا إلى مضيق باب المندب. ما يريده مخططو الحرب الإيرانية من اليمن زرع منصات الصواريخ الباليستية الإيرانية، لتهديد الداخل السعودى وحتى استهداف الخليج من اليمن. ومن هنا يُفهم تعنت الحوثيين بالبقاء فى ميناء الحديدة.
إن خطة إيران الاستراتيجية حيال البحر الأحمر هى بالطبع إقامة نظام على مثال «حزب الله» يسيطر على الساحل اليمنى، ومد نفوذها باتجاه الجانب الأفريقى للبحر، من خلال مشاريع تجارية يمولها الاتفاق النووى، إذا عادت أمريكا إليه. وتتكل طهران أيضا على أصدقائها الروس الذين يحاولون الحصول على قاعدة على ساحل السودان.
الخلاصة، إيران تريد منطقة نفوذ فى البحر الأحمر الجنوبى للسيطرة على الملاحة عبر باب المندب، والمقايضة مع حرية ملاحتها عبر قناة السويس. ففى منطق القيادة الإيرانية، حرب اليمن هى جزء من حرب السيطرة على البحر الأحمر.
تقود المملكة العربية السعودية جهود المواجهة بمساعدة شركائها الإقليميين. فى اليمن، تعتمد الرياض على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وعلى القوات الميدانية للمجلس المركزى الجنوبى. وفى الجزيرة ككل، تدعم الإمارات والبحرين، التحرك السعودى المناهض لإيران. ويقف التحالف العربى إلى جانب الرياض، بما فيه الأردن، الذى له ميناء العقبة على البحر الأحمر. كما تتضامن مصر، التى لها سواحل طويلة فى سيناء وأفريقيا، مع التحالف. وصرحت مصر أكثر من مرة أنها تعترف بالحكومة الشرعية اليمنية، وأنها لن تقبل بتحويل هذا البحر والممرات المائية إلى بحيرة عسكرية. إذ إن القطع البحرية الإيرانية ستواجه تحالفا للقوات البحرية السعودية، والمصرية والأردنية، شمالا فى البحر الاحمر، ولن تنجو فى أى مواجهة. أما فى جنوب هذا البحر، فقد تتواجه مع السعوديين، والسفن الإيرانية ستكون بعيدة عن قواعدها فى الخليج.
إلا أن السؤال الأكبر يبقى حول موقف الولايات المتحدة من المناورات الإيرانية فى منطقة البحر الاحمر. إدارة جو بايدن لن تكون البادئة فى مواجهة بحرية مع إيران فى المياه الدولية، لكن القوات الأمريكية كما يؤكد الخبراء تنسق مع القوات السعودية والمصرية، إذ إن الاتفاق النووى لا يزال هدفا للإدارة حتى اليوم.
وبالخلاصة لا يزال جنوب البحر الأحمر منطقة غير مستقرة ما دام الحوثيون يسيطرون على سواحل يمنية. نحن على ثقة كاملة فى حكمة قادتنا أنهم يعملون كل ما فى وسعهم للجنوح نحو التهدئة والسلام لأن إشعال هذا الجنوب سيكون كارثيا ونطلب الحكمة لقادة إيران ونتساءل ألم يحن الوقت لفتح قنوات اتصال معها لعلهم يفهمون؟؟