مسئولية مجلس الأمن الدولي عن السلام في الشرق الأوسط

هنري سيجمان
هنري سيجمان

آخر تحديث: السبت 25 يوليه 2009 - 8:54 م بتوقيت القاهرة

 قد يكون الفشل المطلق للتوقعات، التى سادت فى العقود الماضية حول إمكانية موافقة أى حكومة إسرائيلية على اتفاق سلام عادل وقابل للتنفيذ، ينهى ما تعرض له الشعب الفلسطينى خلال 40 عامًا من إنكار لجميع حقوقه الوطنية والفردية، بدأ يجد صدى لدى المجتمع الدولى.

ويأمل المرء أن يؤدى المقترح المهم الذى قدمه المنسق الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى خافيير سولانا إلى تحمل مجلس الأمن لمسئوليته، وتحديد موعد نهائى لإقامة الدولة الفلسطينية، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المعنية بحلول هذا الموعد. فسوف يقوم مجلس الأمن آنذاك بترسيم الحدود الدولية لكل من إسرائيل والدولة الفلسطينية الجديدة، ووضع أسس القرارات بشأن جميع قضايا الوضع النهائى الأخرى المتمثلة فى القدس واللاجئين والأمن.

وبالطبع لا يمكن لذلك أن يحدث دون موافقة الولايات المتحدة وقيادتها، وهو الأمر الذى ليس مرجحًا حدوثه قريبًا، إذا نُظر لهذا المقترح ـ عن غير حق ـ باعتباره عقابًا لإسرائيل على عدم تحركها، وليس باعتباره معنيًا بالأساس بقرارات مجلس الأمن 242 و438 التى دعت إلى العودة إلى حدود عام 1967.

وكما أوضحت فى كتابات سابقة، فقد كانت مسئولية مجلس الأمن عن تسوية الأوضاع الناجمة عن حرب 1967 ـ حال عدم قدرة الأطراف المعنية على القيام بذلك ـ متضمنة فى لغة القرارات بشكل واضح، حيث جرى التشديد على عدم جواز الاستيلاء على أراضٍ نتيجة الحرب. غير أن سياسة الاحتلال الإسرائيلى والاستيطان واسع النطاق تركزت على تصور مناقض لذلك، مفاده أنه طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين فإن «الضوابط الموضوعة سلفًا» لهذه القرارات هو استمرار احتلالها للأراضى والشعب الفلسطينى إلى أجل غير مسمى.

غير أنه إذا كانت القراءة الإسرائيلية لقرارات مجلس الأمن صحيحة، فإن ذلك يعنى أن المجلس قدم دعوة إلى إسرائيل ـ ودول الاحتلال كافة ـ لتجنب الدخول فى محادثات سلام من أجل الإبقاء على الوضع الراهن، وهو ما تقوم به إسرائيل بالضبط، مما يمثل انتهاكًا صريحًا للإعلان الوارد فى مقدمة القرار 242 حول عدم جواز الحصول على الأراضى بواسطة الحرب.

ومنذ وقت طويل، تقول إسرائيل إنه نظرًا لعدم وجود دولة فلسطينية قبل حرب 1967، فإنه لا توجد حدود معترف بها يمكن لإسرائيل أن تنسحب إليها، لأن الحدود السابقة على حرب 1967 كانت مجرد خط هدنة. والأكثر من ذلك، تقول إسرائيل إنه بما أن القرار 242 يدعو إلى «سلام عادل ودائم» يسمح «لكل دول فى المنطقة بالعيش فى أمن»، فيجب السماح لها بتغيير خط الهدنة، سواء بالاتفاق مع الطرف الآخر أو منفردة، حتى تضمن أمنها قبل انتهاء الاحتلال.

وتعد هذه مقولات خادعة لأسباب عدة، لعل أهمها أن قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 الذى أرسى الشرعية الدولية للدولة اليهودية قد اعترف أيضًا ببقية الأراضى الفلسطينية خارج هذه الدولة باعتبارها ـ على أقل تقدير ـ إرثًا يحظى بالشرعية نفسها ويخص سكان فلسطين من العرب الذين يحق لهم إقامة دولتهم الخاصة فوقها. كما أن القرار رسم الحدود لهذه الأراضى الفلسطينية بدقة شديدة. وقد أكد القرار 181 على حق سكان فلسطين من العرب فى تقرير المصير استنادًا إلى القوانين المتعارف عليها والمبدأ الديمقراطى الذى يمنح أغلبية السكان الحق فى إقامة دولة ـ فى ذلك الوقت كان العرب يمثلون ثلثى سكان فلسطين. ولم تتبخر هذه الحقوق لمجرد أن القرار قد أرجئ تطبيقه.

وقد قلت فى كتاباتى خلال السنوات الماضية: إن فشل المجتمع الدولى فى التصدى للتصور الإسرائيلى حول إمكانية استمرار الاحتلال وخلق «واقع على الأرض» إلى أجل غير مسمى مادام لا يوجد اتفاق مقبول بالنسبة لإسرائيل ـ أدى إلى هزيمة جميع مبادرات السلام وجهود مبعوثى السلام كافة. وسوف تواجه الجهود الراهنة المصير نفسه إذا لم يتم فى النهاية التعامل مع هذه القضية الجوهرية. ويجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولى فى النهاية أن يتصرفا وفقًا لمنطق قرارات مجلس الأمن حول كون الضوابط الموضوعة سلفًا لها هى العودة إلى ما قبل الوضع الراهن، أى ما قبل حدود 1967 ـ بدون التغيرات التى قد تنتج عن أى اتفاق سلام، سواء فيما يتعلق بالأراضى أو غيرها.

إن ما نحتاجه ـ كما قال سولانا ـ هو قرار من مجلس الأمن يؤكد أنه يمكن إحداث تغيرات على وضع ما قبل 1967 فقط عبر اتفاق بين الأطراف المعنية؛ وأن الإجراءات أحادية الجانب لن تلقى اعترافًا دوليًا؛ وأن الضوابط الموضوعة سلفًا لقرار 242 تتمثل فى رجوع قوات الاحتلال الإسرائيلى إلى حدود ما قبل 1967؛ وأنه إذا لم تتوصل الأطراف المعنية إلى اتفاق خلال فترة محددة، فسوف يستعين مجلس الأمن بالضوابط الموضوعة سلفًا للقرارات الصادرة فى 1967 و1973. وسوف يختار مجلس الأمن حينذاك شروطه من أجل وضع نهاية للنزاع، ويضع الترتيبات لدخول قوة دولية إلى الأراضى المحتلة للمساعدة على إقرار حكم القانون، وتقديم العون للفلسطينيين فى بناء مؤسساتهم، وضمان أمن إسرائيل عبر منع وقوع أعمال عنف عبر الحدود بين الدولتين، ومراقبة تطبيق شروط المجلس من أجل وضع نهاية للنزاع.

لقد أوضح الرئيس أوباما أنه ينوى تقديم إطار مقترح لاتفاق الوضع النهائى إلى كل من حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ويمكن تقديم أكبر خدمة لمساعى أوباما لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط عبر جعل هذا الإطار المقترح أساسًا لقرار من مجلس الأمن يقضى بإقامة دولة فلسطينية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved