الطريق إلى الحرية

عزة كامل
عزة كامل

آخر تحديث: الإثنين 25 يوليه 2011 - 9:58 ص بتوقيت القاهرة

 ليس بخاف على ذوى البصيرة المطلعين على أحوال الوطن والمساهمين بفكرهم فى حراك هذه الأمة، ليس بخاف على جموع الشعب والمنخرطين بأجسادهم فى تحقيق مطالب الثورة، أن أحداث الثامن والعشرين من يونيو ما هى إلا ارتداد عن مبادئ الثورة، هى خيانة للشعب، لقد سلك أفراد الشرطة مسالك الهمجيين، لقد فطروا على الغلظة، ومجافاة الرأفة، وكانت بواطنهم منطوية على الغدر، يريدون أن يضعوا كعوب أحذيتهم على أفواه المصريين جميعهم، رجالهم ونساءهم، شبابهم وعجائزهم، انظروا إلى هذا المشهد المستفز الذى تناقلته المواقع الإلكترونية لأحداث ميدان التحرير، لقد وقف عسكرى من عساكر الأمن رافعا يده يصلصل فى كل كف من كفيه بأحد السيوف، يرقص على إيقاعها، محاولا إثارة سخط وغضب المتظاهرين ويأتى هذا المشهد ليؤكد ما تم تناقله من أن ضباط الشرطة فى أيام الثورة الأولى وبعد انسحابهم أعلنوا أنهم سيتوارون عن الأنظار مؤقتا وعندما سيعودون سيجعلون كل المصريين يرتدون «الطرح»، وها هم فى الميدان يوجهون الشتائم والسباب عبر مكبرات الصوت من داخل المدرعات «رجال... يا وله... حنوريكم ياولاد....» بدلا من حماية الأمن، وحماية المنشآت العامة والخاصة يمارسون البلطجة والاستفزاز، يواجهون المطالب المشروعة للمتظاهرين بالقبضة الحديدية والغل، يريدون الانتقام ممن يريدون تصفية الحسابات وإعادة كرامتهم المجروحة من الشعب الذى تجرأ وقام بالثورة ضد الظلم والقهر والفساد وضدهم بالذات، فى ليلة واحدة يسقط أكثر من 1200 مصاب، لم يحدث هذا أثناء الثورة، إنها مهزلة أمنية جديدة كأن الزمن يعود أدراجه للوراء، نفس السياسات الأمنية القديمة التى استخدمها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى فى قمع المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، والمولوتوف، والسيوف.

هل نحن نحلم، هل لم تحدث ثورة، هل مازال حبيب العادلى يحكم ... والموجود الآن فى السجن هو شبحه أم أنها موقعة «الجمل والحصان» بصورة أخرى.. نفس الحجج تم استخدامها من قبل الحكومة، والشرطة والمجلس العسكرى، «إنهم المتضررون من إلغاء المجالس المحلية، إنهم البلطجية».. كأن كل الشعب تحول لبلطجية.

إننا يجب ألا نمضى مع الوهم حتى لا يجلب علينا الوبال، فإن الثورة لم تستكمل حلقتها بعد ولم يتم القضاء على الفساد والفاسدين، ومازال هناك ضعفاء النفوس من البلطجية والمنتفعين والمجرمين واللصوص السارقين والقتلة الذى ينعمون بالحرية خارج أسوار السجن، فرءوس الفساد مازالت تبث الفتنة فى البلاد، يجمعون لها الوقود والحطب حتى يمتد لهبها ليعم جميع الأنحاء، ذئاب طليقة تعوى وكلاب تنبح تريد أن تخمد الثورة.

هناك تسويف ومماطلة فى محاكمة الفاسدين، هناك إصرار على عدم تطهير الوزارات والمؤسسات الرسمية من بقايا النظام القديم، هناك مؤسسات إعلامية تكذب ولا تقول الحقيقة بل تروج للنظام القديم، تبث الأوهام وتشعل الفتنة وتحافظ على الخطاب التضليلى، ومازال يجلس على رأس قمتها رجال النظام السابق، والتغيير لم يطلها، تم استبدال فاسدين بفاسدين آخرين، وهناك إصرار على منع أسر الشهداء من حضور جلسات المحاكمة.

لا مصالحة إلا بعد التطهير.. تطهير جهاز الداخلية بالكامل من السادين ومن الذين يريدون تصفية حسابات وإعادة مجدهم القديم كجلادين وسجانين.. لا مصالحة إلا بعد القضاء على قبيح الأفعال فلكل معلول علة، ولا يمكن استئصال المعلولات إلا باستئصال علتها، ولذلك يجب تطهير جهاز الشرطة والإشراف القضائى والمدنى على وزارة الداخلية، إن نظام الحكم فى مصر مازال قلبه أشل، ويده مرتعشة وفرائصه مرتعدة.

للأسف الحكام وأجهزتهم يصمون آذانهم ويغلقون أبصارهم عن الحقيقة الدامغة، وهى أن الشعب المصرى أصبح شعبا آخر، صنع ثورة، أصبح شعبا مستعدا للشهادة فى سبيل الحرية ولن يحتمل الهوان أو الذل بعد الآن.. فالشعب المصرى على اختلاف مذاهبه وطوائفه وتلاوينه أدرك أنه عندما تساهل فى حقوقه لمدة ثلاثين عاما ولم يحفظها خوفا من البطش والتنكيل به كانت النتيجة أن أيادى الغدر امتدت إليه من كل الجهات ونتفت حقوقه نتفة بعد نتفة وتركته مقصوص الجناح عليل، لقد تعلم الشعب المصرى الدرس جيدا، وخرج بنتيجة غاية فى الأهمية وهى «أن عليه أن يقاتل إما أن يعيش عظيما أو يموت كريما».

يريد أن يتذوق حلاوة الحرية ويتمتع بنعيم العدالة ويتلفع بثوب الكرامة، ما عادت عيون الناس تملؤها رخاوة النعاس ولن يقايضوا مياه النيل التى تجرى فيها دماء شهدائهم بأموال الخزى والعار، فنيل مصر وترابها وهضابها وبحارها وجبالها ظامئة للحرية، إن الإقدام على التعب راحة، والطريق إلى الحرية أجمل من الحرية نفسها، لا تجعلوا الشوارع والميادين تمتلئ بالدماء، حافظوا على نقاء الثورة البيضاء.

إن غضب الشعب المصرى يفوق كل غضب، وتيار الثورة لا يمكن أن يكون حبيس مجرى ضيق بين ضفتين، إنه ينساب وينتشر فى كل ربوع مصر وربوع الوطن العربى، مازال الحلم باقيا على شرفات العيون، يهز أغنية الريح ويكسر حجاب الخوف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved