هل يستطيع اليونانيون أن يصبحوا ألمانًا؟

توماس فريدمان
توماس فريدمان

آخر تحديث: الإثنين 25 يوليه 2011 - 10:11 ص بتوقيت القاهرة

 أخبرتنى كاترينا سوكو (37) الصحفية اليونانية فى شئون المال بجريدة كاتميرينى اليومية بأن مجموعة من أعضاء برلمان مقاطعة بافاريا الألمانية، جاءت إلى أثينا بعد فترة قصيرة من اندلاع الأزمة الاقتصادية. والتقت المجموعة بعض الساسة اليونانيين، والأكاديميين والصحفيين والمحامين لتقييم الوضع الاقتصادى اليونانى. وقالت كاترين إنها شعرت بأن الألمان يحاولون استكشاف ما إذا كان ينبغى عليهم تقديم قروض لإنقاذ اليونان. وبدا الأمر كما لو كانت دولة ما تجرى مقابلة مع دولة أخرى لبحث إقراضها. وتقول كاترينا متذكرة: «لم يأتوا إلى هنا كسائحين، فقد كنا نقدم لهم البيانات حول عدد ساعات عملنا. وشعرنا حقا بأننا يجب أن نقنعهم بقيمنا».

وذكرتنى ملاحظة كاترينا بفكرة استقيتها من دوف سيدمان، مؤلف كتاب «كيف» والرئيس التنفيذى لشركة «ل.ر.ن» التى تساعد الشركات على بناء ثقافات استثمار قيمية. ففى السنوات الخمس الأخيرة، اشتدت كثافة عولمة الأسواق والناس، مع ظهور شبكة التواصل الاجتماعى، وسكايب، ومشتقاتها والاتصال اللاسلكى السريع ورخيص الثمن، ورخص ثمن الهواتف الذكية، واستخدامات الكمبيوتر التى لا تحصى.

ويقول سيدمان: «عندما يكون العالم مترابطا بهذا الإحكام. يصبح لقيم وسلوكيات الجميع أهمية أكثر من ذى قبل، لأنها صارت تؤثر على المزيد من الناس.. لقد انتقلنا من التفاعل إلى الاعتماد المتبادل قيميا».

ويضيف، بينما تزيد صعوبة حماية نفسك من سلوك غير مسئول لشخص آخر، يتعين على كليكما التصرف على نحو مسئول أكثر، وإلا ستعانيان العواقب، سواء كنت اقترفت أمرا سيئا أم لا. ويصح ذلك القياس بصورة مضاعفة عندما تتشارك دولتان مختلفتان فى نفس العملة ولكن ليس نفس الحكومة. ولذلك فهذا الأمر لا ينحصر فى أسعار الفائدة، وإنما القيم. فالألمان يقولون لليونانيين الآن: «سوف نقرضكم المزيد من المال، بشرط أن تسلكوا سلوك الألمان فى كيفية الادخار، وعدد ساعات العمل اسبوعيا، وفترات الإجازات التى تحصلون عليها، ومدى المواظبة على سداد الضرائب».

ولكن للأسف، هاتان الدولتان تختلفان ثقافيا على نحو بعيد. فهما يذكرانك بزوجين، تتساءل عقب انفصالهما: «كيف استطاع هذا الزوجان التفكير فى الزواج أصلا». فألمانيا مثال لبلد حقق ثراء ببذل الجهد. أما اليونان، فقد صارت فعليا للأسف بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى عام 1981، مجرد دولة بترولية شرق أوسطية ـ وإن كانت استبدلت بروكسل ببئر البترول، حيث يواصل الاتحاد الأوروبى ضخ الدعم، والمساعدات، واليورو بأسعار فائدة منخفضة إلى اثينا.

فالموارد الطبيعية تخلق الفساد، عندما تتنافس الجماعات على من الذى يتحكم فى مفتاح الثروة. وهذا بالضبط ما حصل فى اليونان، عندما وجدت فرصة للحصول على القروض الضخمة باليورو والدعم. وتم توجيه روح المبادرة الطبيعية لدى اليونانيين فى الاتجاه الخطأ ـ فى المنافسة على الأموال والتعاقدات الحكومية. ومن المؤكد أنه لم يتم تبديدها جميعا. ففى التسعينيات حققت اليونان طفرة تحديث حقيقية. ولكنها ركنت إلى الراحة بعد عام 2002، معتقدة أنها بلغت غايتها، وعادت الكثير من أموال الاتحاد الأوروبى «اليورو/البترول» لتمول نظاما فاسدا موروثا، يمنح فيه الساسة الوظائف والمشروعات الحكومية إلى المواطنين فى المحليات مقابل الحصول على أصواتهم.

وقد عزز ذلك دولة رفاه ضخمة، حلم فيها الشباب بوظيفة حكومية سهلة، وأتيح للجميع من سائقى سيارات الأجرة والشاحنات إلى الصيادلة والمحامين رفع أجورهم بما أحدث تضخما مصطنعا فى الأسعار.

وأوضح ديمتريس بورانتاس أستاذ الإدارة بجامعة أثينا، إن عضوية الاتحاد الأوروبى: «كانت فرصة كبيرة للتنمية بددناها». كما لم نستفد من أسواق الدول الاشتراكية (السابقة) المحيطة باليونان. ولم نستفد أيضَا من نمو الاقتصاد العالمى. وخسرنا كل ذلك، لأن النظام السياسى ركز على نمو الإدارة الحكومية، وليس على رعاية روح المبادرة والمنافسة أو خلق استراتيجية صناعية أو مزايا تنافسية. وخلقنا دولة ذات أوجه قصور كبيرة، وفساد، وجهاز حكومى ضخم للغاية. لقد كنا آخر بلد سوفييتى فى أوروبا».

وأضاف أن ذلك هو السبب فى أن اليونانيين عندما ينتقلون إلى الولايات المتحدة «يطلقون العنان لمهاراتهم وروح المبادرة» فى السبل التى تمكنهم من النجاح فى التجارة. ولكن هنا فى اليونان، لا يشجع النظام إلا على عكس ذلك تماما. ويقول لك المستثمرون هنا إن الإجراءات الحكومية اللازمة لبدء مشروع استثمارى ضخم. وهذا جنون، فاليونان هى الدولة الوحيدة فى العالم التى لا يتصرف فيها اليونانيون وفق طبيعتهم المبادرة. فقد انتزعتها منهم دولة الرفاهة الاجتماعية التى مولها اليورو/البترول.

وكان ينبغى أن تصبح اليونان مركز الخدمة لمنطقة شرق المتوسط، بعد تراجع بيروت ودبى. غير أن قبرص واستانبول استولتا على هذا الدور. وعلى اليونان ألا تضيع هذه الأزمة. وفى العام الماضى، بينما أرست الحكومة بعض الإصلاحات، قال لى جورج باباندريو رئيس الوزراء «الأمر الأكثر مدعاة للإحباط فى النظام هو مقاومته. فكيف يمكنك إحراز تغيير فى الثقافة؟».

وسوف يتطلب ذلك ثورة ثقافية، وهو ما لن يحدث إلا إذا اتفق الحزبان الكبيران فى اليونان، ووحدا حركتهما لفرض تغيير جذرى من أعلى إلى أسفل فى الثقافة الحاكمة. ومن دون ذلك، لن تستطيع اليونان سداد قروضها أبدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved