ملف الصحة فى مصر وضحك كالبكا!
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
السبت 25 يوليه 2015 - 9:25 ص
بتوقيت القاهرة
توقفت كثيرا هذا الأسبوع أتأمل خبرين لهما علاقة مباشرة قاطعة بحياة الإنسان المصرى وحقه على الدولة فى العلاج. الأول: حكم محكمة بأحقية ٢٦ مريضا بأحد الأمراض النادرة وهو مرض جوشر ــ وقد كتبت عنه فى صفحة صحة وتغذية سابقا ــ فى العلاج على نفقة الدولة رغم أن متوسط علاج المريض الواحد يتكلف الملايين. الحكم القضائى يلزم وزارة الصحة بمخاطبة رئيس الوزراء بشراء الدماء من الخارج بالأمر المباشر!
مرض جوشر أحد الأمراض التى ينجم عن غياب إنزيمات معينة ــ نتيجة قصور جينى ــ ترسب مواد دهنية فى خلايا وأنسجة أعضاء حيوية مهمة فى الجسم الأمر الذى يخل بوظائفها. هو مرض يتفاقم مع الأيام ومنه أنواع خطيرة تودى بحياة الطفل قبل أن ينمو بصورة طبيعية ومنه أنواع بسيطة أو متوسطة الخطورة لكنه يحتاج علاجا مدى الحياة رغم أنه ليس هناك منه علاج شافٍ.
أما الخبر الثانى فقد كان عن وفاة ستة أطفال حديثى الولادة فى وحدة رعاية الأطفال بمستشفى الدمرداش واتهام أهل الأطفال للأطباء ومسئولى الرعاية بالإهمال الجسيم الذى أدى إلى إزهاق أروح تلك المخلوقات البريئة التى رحلت قبل أن يطلق عليها أسماء!
حينما مثل الأطباء المتهمون أمام ممثلى النيابة والمسئولين عن التحقيقات اكتملت أحداث المأساة.
شهد الأطباء بأنهم كانوا مضطرين لوضع الأطفال ثلاثة معا على كل سرير مخصص للطفل الواحد وأن قوام الوحدة جهازان للتنفس وحضانتان فقط بينما عدد الأطفال فى ذلك اليوم وصل إلى اثنى عشر طفلا أى أن الوحدة استوعبت ثلاثة أضعاف طاقتها!
الأدهى أن الأطباء صرحوا لوكيل النيابة قبل صرفهم مؤقتا ــ فهم بلا شك مازالوا تحت التهديد بمعاقبتهم جنائيا ــ أن كل أم تأتى للمستشفى للولادة تتعهد كتابيا بأنها وزوجها مسئولان عن توفير حضانة خارج المستشفى إذا ما احتاج وليدها لحضانة إذ إن مستشفى الدمرداش غير مسئول عن توفير حضانة لكل طفل يحتاجها لأن الذنب ذنبه إذا جاء للحياة مبتسرا أو ناقصا فى النمو!
يا الله أى قدر من انفصام الشخصية تعانيه بلادى: سبحانك.
القانون فى مصر يلزم رئيس الوزراء بشراء علاج لطفل يتعدى الخمسة ملايين جنيه سنويا ولا يحفظ لرضيع حقه فى حضانة أو جهاز تنفس صناعى فى مستشفى عريق جامعى يعمل به ويتخرج فيه مئات الأكفاء من الأطباء!
يقف الأطباء أمام النيابة متهمون بالإهمال الجسيم الذى أدى لوفاة ستة أطفال يحاكمون بذات القانون ويواجهون عذابات الضمير لا يملكون دفاعا عن أنفسهم وقد كانوا يعملون بلا أدوات يدافعون بها عن تلك الأرواح البريئة!
إذا كان هذا من المبكيات فى بلادنا فمن المضحكات أن تلك الوحدة فى الدمرداش كانت تستعد لاستقبال مسئولين وخبراء بغرض تقييمها على معايير الجودة!
إنه بلا شك ضحك كالبكا.. صدق المتنبى.