لبنان.. النهاية الثالثة والأخيرة
مواقع عربية
آخر تحديث:
السبت 25 يوليه 2020 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع الحرة مقالا للكاتب حازم الأمين يتناول الانهيارات والتدهور الذى يشهده لبنان الآن... نعرض منه ما يلى:
فى لبنان نحن أمام نهاية قصة. هذه القصة بدأت قبل ١٠٠ عام تماما، أى فى العام ١٩٢٠، وها نحن نشهد نهايتها. لم يعد من مؤشر واحد يمكن التعويل عليه لتوقع النجاة. الانهيار المالى الهائل ليس سوى تتويج لانهيارات متلاحقة رحنا فى السنوات الأخيرة نشيح النظر عنها. لبنان هذا، يقاتل فى سوريا، ولبنان يستدين من نفسه ليراكم سياسيوه ثرواتهم، ولبنان الذى فشل فى تحقيق إجماع واحد بين جماعاته الأهلية، ولبنان الفاسد والفاشل والعاجز. كل هذه المؤشرات كانت بدأت تلوح من سنوات طويلة، إلى أن حلت النهاية. واليوم تحكمه سلطة متشكلة من كل هذه العناصر بعد أن جرى تكثيفها.
الانهيار لم يقتصر على البنى السياسية الظاهرية، من أحزاب وزعامات ومواقع، الانهيار وصل إلى جوهر البناء الذى قام عليه البلد فى العام ١٩٢٠، والذى توج بميثاق العام ١٩٤٣. لبنان السرية المصرفية والقطاع المصرفى انتهى إلى غير رجعة. وكانت نهاية مظلمة. أقدم أصحاب المصارف على السطو على ودائع الناس. نهاية لا عودة بعدها.
لبنان قطاع الخدمات انتهى أيضا. المطاعم المفلسة تُطعم روادها دجاجا فاسدا! هذا الأمر الذى اكتُشف قبل أيامٍ قليلة، مارسته الشركة التى تبيعنا الدجاج على مدى أربع سنوات من دون أن يلاحظه مراقب أو مدقق.
لبنان التعليم الحديث والجامعات المتقدمة فى التصنيفات العالمية هوى أيضا. أقوى الجامعات فى بيروت، وهى الجامعة الأمريكية، تعيش أزمة وجودية كبرى، وهى أقدمت على حماقة تؤشر إلى ترنح إدارتها، وإلى انتقال عدوى الفشل والفساد إليها. أما الجامعات الأخرى فأزماتها أكثر فداحة، ومصائرها مجهولة، ولا أثر لمنقذ.
الخراب جوهرى، ولسنا هنا حيال صدوع يمكن رأبها. فتلك القطاعات كانت وظيفة لبنان، وهى الحاجة التى جعلت منه بلدا ممكنا على رغم ما اعترى التجربة ضعف ونقص. المدافعون عن لبنان اليوم، عن ماذا سيدافعون؟ أى حاجة يلبيها لهم هذا البلد؟ حماية الأقليات؟ لم تعد هموم العالم مصبوبة على أقليات المشرق على نحو ما كانت فى سنوات التأسيس. النموذج الذى يسعى العالم لتقديمه للشرق بصفته اقتراحا؟ لبنان لم يعد نموذجا ولا اقتراحا، بل على العكس، إذا أردت أن تصور الفشل والفساد والاستتباع فما عليك إلا أن تشير إلى لبنان. فحين نقول إن لدى فرنسا مثلا رغبة فى إنقاذ لبنان، نكتشف أن هذه الرغبة مترافقة مع شروط يقتضى تحقيقها ولادة دولة جديدة. دولة من دون حزب الله ومن دون سعد الحريرى وجبران باسيل ونبيه برى. دولة «كلن يعنى كلن».
والغريب أن فرنسا تطلب من هؤلاء أنفسهم أن يكفوا عن كونهم أركان الدولة وأركان الانهيار. المهمة غير واقعية، تماما مثلما لبنان صار غير واقعى. ثم أنه كيف يمكن لدولة عقلاء مثل فرنسا أن تضع يدها فى بلد مثل لبنان اليوم؟ لنبتعد قليلا ونعاين المصيبة! بلد تستمر طبقته السياسية بنهبه إلى اليوم. هذه الطبقة السياسية هى نفسها من ستعود لتولى ملفات الكهرباء والنفايات والنفط، واستئناف النهب. بلد قرر حزب من أحزابه أن يقاتل فى بلد آخر، فكان له ما أراد! لسنا هنا حيال قصة فشل عادية، ومن العقل الابتعاد.
إنها النهاية، ولكن الاستعصاء يمتد إلى ما بعدها. فى السابق، حين كنا نتوقع «النهاية»، كانت تلوح لنا صور ما بعدها. اليوم التوقع يكاد يكون مستحيلا! انتهى لبنان الخدمات والمصارف والجامعات والمستشفيات، فأى شىء سيولد من هذا الخراب. الطوائف أعجز عن أن تقيم لبنانها بمعزل عن هذه الوظائف.
القوة الحية الوحيدة فى لبنان اليوم هى حزب الله. هل يمكن أن ينجم عن خراب لبنان الكبير، لبنانا آخر هو لبنان حزب الله؟ قد يكون الجواب أن لبنان هو دولة حزب الله من سنوات طويلة. الرئاسة للحزب والحكومة والغالبية النيابية. لكن لبنان هذا هو نفسه الذى هوى على رءوسنا، وهو نفسه الذى ننتظر إعلانا رسميا لنهايته. فالحزب الذى أنشأ قاعدة من الشراكة الوهمية لسلطته الحقيقية على مدى سنوات، هو الذى فشل فى حماية الهيكل، وهو إذا ما كان سيرث نفسه فى أعقاب تهشم دولته، فأى وظيفة سيختارها للبنان الوليد؟
لبنان المسيحيين فشل فى العام ١٩٧٥، ولبنان الشراكة بين النظامين السورى والسعودى أقدم على الانتحار فى لحظة اغتيال رفيق الحريرى.
وبعد العام ٢٠٠٥ راح حزب الله يقضم ما تبقى لغيره من مساحات إلى أن توج نفوذه بدولة يملك فيها كل المواقع. ويبدو أننا اليوم نشهد النهاية الثالثة، من دون أن نتمكن من ضبط توقعاتنا لما بعد هذا السقوط.
النص الأصلى هنا