أحفاد ثورة يوليو!

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 25 يوليه 2022 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

سبعون عاما مضت على ثورة 23 يوليو 1952، وأكثر من خمسين عاما على وفاة قائدها جمال عبدالناصر، لكن الثورة وزعيمها مازالا يثيران الجدل والحوار بكثافة أكبر مع مرور السنوات والأيام، وهو إن دل على شىء فإنما يبرهن على عمق تأثير الثورة فى المصريين، وحضورها القوى فى حياتهم، ودع عنك الهجوم من هذا الطرف والدفاع من أطراف أخرى، فالأهم الاعتراف بضرورة ما صنعته الطليعة التى خرجت عشية 23 يوليو لتغير مسار التاريخ على أرض وادى النيل.
ثورة يوليو شأنها شأن أية ثورة قامت لتغيير ما هو قائم، ومحو أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية كبلت حياة عموم المصريين بالأوجاع وأذاقتهم كأس مترعة بالذل والهوان على يد احتلال بريطانى غاشم، وملك فاسد، وحياة سياسية مشوهة تتناوب فيها أحزاب الأقلية الحكم مدعومة بالقصر والمندوب السامى البريطانى، فيما الشعب يئن تحت وطأة الثلاثى الشهير «الفقر والجهل والمرض»، قبل أن يعرف الأمل طريقه إلى بيوت كانت على هامش الحياة.
تقاس الثورات بحجم ما تصنعه من تغيير فى الواقع الذى يعيشه مجتمع معين، وليس بما يطلقه خصومها الحاقدون من مسميات وصفتها بـ«الإنقلاب العسكرى»، فقد أحدثت ثورة يوليو 1952 تغييرا جذريا فى المجتمع المصرى، ونقلته إلى واقع جديد عبر عدد من الأهداف التى تبنتها وتمثلت فى القضاء على الاستعمار وأعوانه، والقضاء على الإقطاع، وسيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة جيش وطنى قوى، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
حققت ثورة يوليو بعض أهدافها، وفشلت فى تحقيق البعض الآخر، لكنها فى النجاح والإخفاق كانت بوصلة القائمين عليها من أبناء هذا الوطن الرغبة الصادقة فى تغيير حياة المصريين إلى الأفضل، فقد ظل الاستعمار جاثما على صدر الشعب المصرى عشرات السنين قبل أن يحمل عصاه ويرحل، فيما أعيد توزيع الثروة للقضاء على مجتمع النصف فى المائة لصالح الكادحين من العمال والفلاحين الذين عرف أبناؤهم الطريق إلى الجامعات والبعثات العلمية الخارجية على نفقة الدولة.
ومن مجتمع زراعى يرزح غالبية فلاحيه تحت سوط أصحاب الوسية، ظهرت المصانع التى ساهمت بإنتاجها المحلى فى تلبية طلب ملايين المستهلكين وتوفير العملات الصعبة التى تغلق باب الاقتراض (وهو هم بالليل وذل بالنهار) فلبس المصريون من نسيج أقطانهم، وركبوا سيارات من صنع سواعدهم، وأسسوا بيوتا تحتوى على أدوات تحمل عبارة «صنع فى مصر»، من ثلاجات ومواقد وشاشات تليفزيونية وأجهزة كهربية متنوعة الأشكال والأحجام.
هذا التوجه الجديد لعملاق ينفض تراب السنين التى راكمها الاحتلال طويل الأمد، والحياة السياسية الفاسدة، كان لا بد أن يواجه بالتحديات والمعارك، ونصب الفخاخ من الخارج والداخل، ممن فقدوا السيطرة على التحكم فى شعب ثار لحريته وكرامته، وتعهد أبناؤه المخلصون بإحداث تغيير جذرى لا يقبل التفريط فى امتلاك ناصية الإرادة الوطنية، فكانت معركة تمويل السد العالى وحرب السويس، وهزيمة 5 يونيو 1967، وحرب الاستنزاف، محطات بارزة فى مسيرة وطنية حافلة.
اليوم وبعد مرور 70 عاما على ثورة يوليو، يجلس البعض وراء شاشات الكمبيوتر أو يمسك البعض الآخر بهواتف محمولة لاستدعاء كل نقيصة لدمغ الثورة بها متجاهلين أنها انتشلت أجدادهم وآباءهم من واقع مرير لم يعيشوه، ولم يسأل واحد منهم نفسه أين سيكون موضعه لو ظل واقع الحياة الذى سبق 23 يوليو على حاله؟!
غالبية المصريين كانوا قبل الثورة من الفقراء، بل من المعدمين، طبقا للإحصاءات والبيانات التى سُجلت وكُتبت قبل الثورة، فهل كان أحفاد هؤلاء البائسين سيتحولون إلى أمراء أو سيلتحقون بالعائلة الملكية فجاءت الثورة لقطع الطريق عليهم؟!! ثورة يوليو جزء من تاريخنا الوطنى بما لها وما عليها، لكنها أبدا لم تكن كما يصورها بعض صغار الجهلاء باعتبارها كائنا وحشيا سلب جدهم الباشا أعز ما يملك!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved