قراء.. ومستبدون
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأربعاء 25 أغسطس 2010 - 10:09 ص
بتوقيت القاهرة
هناك سؤال مهم لكل شخص ينتقد الحكومة ويتهمها بالاستبداد وعدم الإيمان بالتعددية، أو قبول الرأى الآخر: وهل أنت تؤمن بهذه المبادئ؟!
أتمنى أن يجيب كل منا بينه وبين نفسه عن هذا السؤال، فإذا اكتشف أنه يؤمن بالرأى الآخر فعلا فهنا يحق له انتقاد الحكومة كما يشاء، أما إذا كان لا يقبل إلا ما يؤمن به فقط فهو عمليا لا يختلف عن الحكومة التى ينتقدها فى شىء.
بعض القراء الأعزاء الذين يشرفوننى بالتعليق على ما أكتب فى هذا المكان يكيلون لى المديح إذا وافق ما أكتب مع ما يؤمنون به، لكن عندما لا يوافق ذلك هواهم يسارعون إلى الصاق كل الموبقات بشخصى.
بعض هؤلاء الأعزاء كتب لى معلقا على ما كتبته يوم السبت الماضى بعنوان «الناقد الفنى إمام مسجد الكيخا» ينتقدوننى لأننى طالبت من يقف على المنبر أو من يخطب فى المسجد ألا يفتى فى مسائل خلافية.
هؤلاء وجهوا لى كلمات من قبيل: «لا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون» وآخر قال «إنه كان يحترمنى قبل هذا المقال» ما يعنى أن احترامه لى قد انتهى!
وثالث طالبنى بأن «اتق الله إن كنت مسلما».. رغم اننى كتبت فى المقال اننى كنت أصلى العشاء والتراويح فى مسجد الكخيا ما يعنى على الأقل أننى مسلم شكلا، وبقية التعليقات على نفس الشاكلة وبعض منها يعتبرنى كاتبا حكوميا علمانيا مهمتى محاربة الدين.
إلى هؤلاء جميعا أقول إننى لا أدعى امتلاك الحقيقة، وقد أكون مخطئا فى بعض مما أكتب، لكن الفكرة الجوهرية التى تحدثت عنها، هى ضرورة أن نؤمن جميعا بحق الاختلاف واحترام الآخر فى التعبير عن رأيه، ومن دون ذلك فإننا نعطى الحكومة سلاحا فتاكا كى تنكل بنا باعتبارنا فاشيست ومتطرفين.
الإخوة المحترمون الذين لم تعجبهم مطالبتى للأئمة والخطباء بعدم الحديث من على المنبر بشأن موضوع مثل المسلسلات، لم تصلهم للأسف الفكرة بوضوح.
بعضهم اتهمنى بأننى مع المسلسلات التافهة والخليعة رغم اننى كتبت بوضوح فى المقال اننى ضدها، لكن من منظور فنى وليس دينى.. المسألة اننا لو تركنا كل خطيب أو إمام فى المسجد ليقول لنا هذا المسلسل أو الفيلم جيد أو سيئ، فسوف ينتهى بنا الأمر ليصبح هذا الإمام أو الخطيب هو الذى يفصل ويفتى فى كل شىء، وسنصل لا محالة إلى نموذج طالبان فى أفغانستان أو حركة «شباب الصومال».. سنكفر الأمريكان والإسرائيليين أولا وبعدها نكفر عملاءهم بالداخل، ثم نكفر المعتدلين الذين كانوا معنا، وينتهى الأمر بأن يكفر المجاهدون بعضهم البعض، ثم يقتلون بعضهم البعض بحجة الخروج على صحيح الدين.. ذلك هو جوهر الفكرة.. لا نريد دولة دينية.. نريد من كل شخص أن يفتى فى مجاله.
مرة أخرى.. من حق أى شخص أن يؤمن بالدولة الدينية إذا كان هذا رأيه، لكن عليه أن يحترم رأى الآخرين فى عدم الإيمان بها وضرورة النضال من أجل دولة مدنية تستلهم المبادئ الإسلامية فى قوانين واضحة محددة وليست عائمة تتيح لأى ظالم أن يقتلنا أو يعذبنا باسم الدين وهو منه برىء.
وسط كل هذا فإن الملفت للنظر أن إمام وخطيب مسجد الكخيا الشيخ محمود محمد الجعيدى ونائبه الشيخ يحيى على، ورغم كل كلماتى الانتقادية فى المقال كانا أكثر رقة وتفهما لما كتبت.. اختلفا معى برفق، وأوضحا لى أن الرجل الذى خطب فى المصلين وتحدث عن المسلسلات بين صلاة التراويح كان الخطيب الذى أرسلته وزارة الأوقاف وليس خطيب أو إمام مسجد الكخيا.
للشيخين كل التقدير والاحترام.. والمقال لم يكن متعلقا بالأشخاص بل بالحالة التى تجعل البعض حتى لو كان لا يعرف قراءة الفاتحة الى أن يفتى فيما لا يعرف.