أذكر أننى قد كتبت يوما هذا العمود الأسبوعى تحت عنوان «بلدى على قائمة العار» إثر قراءتى لملف عن تجارة الأعضاء البشرية نشرته الجارديان جاءت فيه مصر فى المركز الثانى بعد تركيا فى تلك القائمة البغيضة للبلاد التى تمارس فيها تلك العمليات. كان الملف يعرض حقائق مفزعة ويضم صورا للأماكن التى تم فيها تلك الجراحات، أذكر منها فيللا لجراح تركى شهير على البوسفور جعل منها مركزا متطورا لعمليات زرع الأعضاء يقصده كل من امتلك المال لشراء لحم إنسان آخر!
كان بلا شك الملف صادما لى فقد كانت المرة الأولى التى اقرأ فيها صراحة أننا على القائمة العالمية بصورة بالغة الوضوح كان من ضمن معالمها إشارة إلى أسماء أطباء وسماسرة ومعامل ومراكز بعينها فى مصر. خرج الأمر من حدود الهمس إلى العلن إذن ثم توالت الوقائع وتولى الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعى عملية الترويع وحملات إشاعة الفزع بين الناس.
الحديث عن خطف الأطفال وتمزيق أوصالهم وتقطيع أحشائهم وتناول أعضائهم قطعا للغيار. لم يخل الأمر من وقائع حقيقية كان منها مهاجمة مراكز بالفعل تجرى عمليات زراعة الأعضاء ما دون تصاريح أو غير خاضعة للقوانين. الأمر الذى أكد أن هناك بالفعل نار يتصاعد منها هذا الدخان الكثيف.. إذن نحن بالفعل على قائمة العار!!
آخر وقائع تلك الكارثة الأخلاقية المستمرة ذلك الفيديو الذى انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى لإعلامى ألمانى معروف الاسم واضح الملامح. الفيلم يتحدث صراحة عن أن تجارة الأعضاء تتم فى العلن الان فى مستشفى الشيخ زايد ومستشفى الفاطمية بل وكانت ذروة الفيلم حديث مع مواطن سودانى مريض بالإيدز تم تعذيبه واغتصاب أعضائه دون رحمة أو حتى ثمن!!
أجزم أن الفيلم صناعة رديئة وأن المشاهد الذى ظهر فيها مسئول من مستشفى الشيخ زايد لا تنم عن شىء ولا تشير إلى جريمة ترتكب، أين مستشفى الفاطمية فإقحامه لا معنى به إلا لتصويره بمعماره المميز إشارة إلى القاهرة القديمة.. ولكن يظل السؤال معلقا فوق رءوسنا.
ما الغرض أصلا من هذا الفيلم؟ هل هو بالفعل بحثا عن الحقيقة. أم أنه محض افتراء أضيف إلى صناعته أسماء لمستشفيات حقيقية موجودة تحت إشراف الدولة يجرى فيها بالفعل عمليات لزراعة الأعضاء بصورة قانونية وفقا لأخلاقيات المهنة؟
تتحدثون عن نظرية المؤامرة؟.. نحن يا سادة هذه المرة المتآمرون على أنفسنا. نحن الذين قذفنا وجه أمتنا بكرات الطين!
الفيلم وغيره من وسائل التهويل والترويع وحوادث خطف الأطفال سواء ما كان منها صادقا أو كاذبا ليست القضية الأساسية وإن كانت تداعيات قائمة تدمى القلب وتطال الروح وتزيد من أحمال المصريين النفسية بعد أن تخطت حدود ما يحتمل البشر.
القضية الأساسية هى الجريمة التى ترتكب فى حق الإنسان وجسده. غياب القانون الواضح والعدالة الناجزة النافذة والوقوف عند حدود التهويش بنشر أخبار القبض على عصابات السماسرة والأطباء المتورطين: أبدا ليست الحل.
لا أنكر أبدا جهود الأمن فى تعقب المتورطين لكن حتى عمليات ملاحقتهم والقبض عليهم ونشر أخبار التحقيقات: أبدا ليست الحل.
ففيها الكثير من الثغرات التى تجعلها عرضة للانتقاد.
الحل هو ما لجأ إليه العالم المتقدم: دعم ثقافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وتجريم بيع الاعضاء بهدف زراعتها وإعادة صياغة القانون والالتزام بتطبيقه فور ثبوت الجريمة واتخاذ كل الاجراءات الصارمة للتفتيش على كل المراكز التى تتم فيها الجراحات وتجريم كل من ينشر معلومات غير حقيقية عن جرائم وهمية وأساليب تثير الفزع والرعب فى قلوب الناس. أما حديث البعض عن أن ذلك درب من دروب السياحة العلاجية فهذا بالفعل ما يستحق عليه الإعدام شنقا فى ميدان عام.