قتل الإنسانية
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 25 أغسطس 2020 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
«أنت قتلت إنسانيتك»، هذه العبارة ذكرتها إحدى السيدات المكلومات «ميسون سلامة» أثناء الجلسات النهائية لمحاكمة «برينتون تارنت»، الذى ارتكب العمل الإرهابى الشهير فى «كريست تشيرش» فى نيوزيلندا، عندما أمطر المصلين فى مسجدين بوابل من النيران أودى بحياة واحد وخمسين شخصا، وأصاب نحو أربعين، ولم يستطع أن يذهب إلى مسجد ثالث يواصل فيه عمله الإجرامى بعد أن ألقى القبض عليه، وبلغ إجرامه بأن قتل طفلا بجوار والده يبلغ من العمر ثلاث سنوات دون شفقة، وحضرت «ميسون سلامة» المحاكمة مع عدد آخر من أسر الضحايا والناجين، وتحدثوا أمام القاضى على مرآى ومسمع من المتهم، أسترالى الجنسية، البالغ من العمر 29 سنة، والذى يتوقع أن يصدر حكم بسجنه مدى الحياة دون إفراج شرطى، وهو أول حكم من نوعه يصدر بحق متهم فى نيوزيلندا، وقد تحدث – ببراعة واقتدار ــ ممثل الادعاء عن جرائم الرجل، الذى اعترف بما فعله أمام تحقيقات الشرطة، ووصفه بأنه «عمل إرهابى»، ــ أى هو يدرك ما كان يفعل ــ واستبق جريمته بوثيقة عنصرية مطولة نشرها على شبكة الإنترنت ضد الغزاة المسلمين، وغير الغربيين بوجه عام.
عبارة السيدة أمام المحكمة بديعة وتلخص معانٍ كثيرة، فمن يرتكب الإرهاب لا يقتل بشرا فقط ولكن يقتل إنسانيته شخصيا، وهى أثمن ما يملك، وهو توصيف لا ينسحب على هذه الجريمة النكراء فحسب، بل ينصرف إلى كل الأحداث الإرهابية التى تحدث فى كل مكان فى العالم على يد أشخاص قتلوا إنسايتهم ــ أولا ــ ثم اتجهوا إلى قتل بشر آخرين دون تمييز، فالتنظيمات الإرهابية فى كل العمليات التى تقوم بها تستهدف عشوائيا أكبر عدد ممكن من الأشخاص، رأينا ذلك فى جرائم «بوكو حرام» فى إفريقيا، و«داعش» فى العراق وسوريا، وجماعات الإرهاب فى مصر سواء فى مواجهة مصلين فى كنائس أو مساجد أو رجال الجيش والشرطة مثلما حدث فى سيناء، ويكتسب استهدافهم للمختلفين معهم فى المعتقد الدينى شراسة وإرهابا من نوع خاص.
الذى يرتكب العنف أو القتل أو التعذيب أو الاضطهاد البدنى أو المعنوى أو التمييز ضد مواطنين لأى سبب من الأسباب يقتل فى البداية إنسانيته، ويمارس أشد أنواع القهر ضد أفراد لا ذنب لهم سوى أنهم مختلفون، دينيا أو مذهبيا أو ثقافيا أو سياسيا أو ما شابه. وقد كانت حركة حقوق الإنسان العالمية، والمطالبون بالديمقراطية والحريات فى مقدمة نداءاتهم احترام الكرامة الإنسانية، والحفاظ على حياة الإنسان، والحيلولة دون اضطهاده أو التنكيل به.
ولكن سيظل فى الدنيا من هم على استعداد دائم لقتل إنسانيتهم، واستباحة الآخرين لأسباب واهية أو لأفكار فاسدة، ولكنهم لا يدرون أنهم سوف يلقون جزاء ما يفعلون فى الدنيا وفى الآخرة، وهى العبارة التى اختتمت بها «ميسون سلامة» كلمتها المؤثرة أمام المحكمة، بينما كان ينظر إليها المتهم بعدم اكتراث.