الخبز المر
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 25 أغسطس 2023 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
كم أجاد الكاتب عبدالحى أديب اختيار النصوص التى اقتبسها وحولها إلى أفلام مصرية، حيث إنه تعمد عدم ذكر اسم النص الأصلى، وكم صبغ الأجواء الأجنبية بصبغة مصرية مثلما فعل فى فيلم «الخبز المر» لأشرف فهمى عام 1982 عن مسرحية أمريكية للكاتب آرثر ميلر، التى تدور حول الرجل المسن إيدى الذى قام بتربية طفلة صغيرة وصار يحبها أكثر كلما كبرت أمام عينيه، فلما جاء أحد أقاربها المهاجرين وطلب أن يتزوجها وقف العجوز أمام هذه المشاعر بقوة رغم أنه متزوج من امرأة عاشت معه طويلا.
فى الفيلم المصرى رأينا اثنين من الإخوة أحدهما سالم يرحلان من أقاصى الصعيد إلى ميناء الإسكندرية بحثا عن فرصة عمل من أجل تدبير المال لشراء قطعة أرض عليها خلاف فى الميراث، وفى الإسكندرية يعملان لدى عتريس ويتعرفان على عزيزة ابنه خالتهما، وتقوم قصة حب بين الفتاة وبين سالم الذى يطلبها من عتريس فيرفض هذا بشدة بحجج ضعيفة، وتقف عزيزة إلى جوار سالم وأخيه فهى تتوق إلى الحياة فى صعيد مصر، فى الوقت الذى تساند زوجة عتريس الفتاة الصغيرة، حفاظا على حبها لزوجها، وهكذا فإن أجواء الصراع تختلف تماما من ناحية المكان وطبيعة الأشخاص بين الفيلم والمسرحية، فالشاب عند ميلر هو من المهاجرين، أما سالم فهو واحد من المشاركين فى حرب أكتوبر قضى فى الجيش خمس سنوات وعقب نهاية خدمتة وجد نفسه فى صراع من أجل الأرض التى تكاد تضيع منه، فسافر مع أخيه فوق صندل على النيل توفيرا للمادة حتى وصل أخيرا وهناك كانا يعملان فى ظروف صعبة، لكن عتريس وقف يساعدهما إلى أن اصطدم بأن سالم سوف يبعده عن ربيبته التى أحبها وأرادها لنفسه.
أجواء الفيلم بين حقول الصعيد وسطح الصندل ونهر النيل ثم ذلك الميناء المتسع لجميع أبناء الوطن للعمل وكسب الحياة، أما المسرحية فهى تدور فى المنزل الذى يعيش فيه إيدى، وبالتالى فإن الصراع اختلفت حدته ولكن النهاية تغيرت فالحب بين الشباب قوى وعلى الرجل العجوز أن ينسحب من الحلبة وأن يترك الشابين يتزوجان.
الفيلم قام ببطولته كل من فريد شوقى ومحمود عبدالعزيز وسعيد صالح وشريهان وشويكار، والحقيقة أن هذا العمل يعتبر درسا لمن يفكر فى تحويل النصوص المسرحية العالمية إلى أعمال مصرية، وقد أشرنا إلى أنه من الصعب جدا على الناقد التعرف على ما كتبه ميلر فى مسرحيته، وهو واحد من الكتاب الذين حاولت السينما المصرية اقتباس أعماله أكثر من مرة ومنها مسرحية «موت بائع متجول» الذى تم تقديمه فى فيلم من بطولة فريد شوقى وعادل أدهم باسم «لعنة الزمن» عام 1979 وأخرجه احمد السبعاوى» أى أن آرثر ميلر كانت له جاذبية خاصة فى السينما المصرية فى تلك السنوات بين 1979 و1982، ومن الواضح أن ميلر وحده لم يكن هو صاحب الحظوة فى السينما المصرية بل إن اسم يوجين أونيل قد تم اللجوء إليه كثيرا فى أفلام أخرى، وكان فريد شوقى كممثل موجود فى أفلام عديدة منها «عيون لا تنام»، «فتوة الجبل» وأفلام أخرى ما يعنى ان المسرح الأمريكى فى القرن العشرين قد فرض سطوتة على الكثير من الافلام التى شاهدناها، وكما نرى أن هذه السطوة امتدت إلى أجيال عديدة من الكتاب على رأسهم عبدالحى أديب، فيصل ندى، رأفت الميهى وغيرهم.