مسلسل الجماعة ورسالة الفن
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
السبت 25 سبتمبر 2010 - 11:11 ص
بتوقيت القاهرة
«إلغاء الآخر وليس مناقشته أصبح سمة المجتمعات العربية فى الحوار.. إلغاء أفكار الآخر ومعتقدات الآخر».. هكذا عبر الفنان الأردنى المثقف، إياد نصار بطل مسلسل الجماعة عن الحال التى وصلنا إليها فى بلادنا من الماء إلى الماء أثناء حواره مع الزميل خيرى رمضان فى برنامج مصر النهاردة... فلم تعد القضية أن يقاتل الإنسان من أجل أن يمنح الآخر فرصة إبداء رأيه.. للأسف مجتمعنا اليوم أصبح ينطبق عليه الآن مقولة الفيلسوف الرومانى شيشرون: «البعض يفتش عن أخطاء الغير كما لو كان يبحث عن كنز»..
لم يعد المجتمع يعرف الحوار.. لا بل لم يعد المجتمع يريد الحوار. نحن فى مجتمع مشتبك ومتشابك، مجتمع صاخب وزاعق.. وكل طرف فيه يرغب فى إملاء رأيه وفرض شروطه وأفكاره.. مجتمع يرفع بعضه شعار الحرية، وهؤلاء يرفضون حق الآخر فى الحرية وإبداء الرأى.. مجتمع يتحدث فيه البعض عن الديمقراطية من باب الترويج لنفسه، قبل أن يروج من ينافسه..
● أعجبنى فى إياد نصار ثقافته بقدر ما أعجبت بفنه. فهو يرى أن الفنان لا يجب عليه أن يكون له موقفه من الشخصية التى يؤديها. أعتقد أن تلك بديهية، لكنها لم تعد كذلك فى مجتمعنا. فالفنان أحيانا يتحدث عن رسالة الدور والشخصية التى يؤديها وليس ذلك من بديهيات الفن حسب ما أظن ونظن.. لكن المهم قبل هذا كله.. أنه عندما عبرت عن إعجابى بنحو 20 كلمة بمسلسل الجماعة كعمل فنى ووصفت وحيد حامد والتليفزيون المصرى بالشجاعة لعرض حوار ينتقد فيه أصحابه الحزب الوطنى والأحزاب كلها والإخوان (المحظورة كما يقول البعض فى إطار الضحك على النفس) تلقيت بعض الكلمات شعرت أنها لكمات.. وكان ذلك فى بداية المسلسل، لكننى بعد أيام منه تساءلت عن معنى الذى تعرض له الأستاذ وحيد حامد، لعله الضرب المبرح والمؤسف قياسا بلكمات ظننت أنها وجهت إلى شخصى بسبب 20 كلمة.. وقد كان مفزعا هذا الإصرار على تقسيم الناس إلى رياضيين يفكرون بعضلاتهم وإلى أثينيين يفكرون بعقولهم: «مالك أنت ومال الفن والتليفزيون والسياسة خليك فى ملعبك.. خليك فى شاط ويشوط».. وهؤلاء بطبيعة الحال يفترضون أن الرياضة حصة ألعاب، بلا عقل، ويعتقدون أنه من ليس معهم فهو ضدهم. وتلك حالة مجتمعية عامة مؤسفة..
● أعجبت بشخصية حسن البنا من خلال المسلسل، ربما يكون إعجابا بأداء المثل إياد نصار، الذى يملك حضورا وشخصية كاريزمية على الشاشة.. وأعجبت بالجماعة كعمل درامى ممتاز، فالسيناريو أرجحنا بين الماضى والحاضر دون أن نصاب بالدوار المعتاد فى مثل تلك الحالات. كما أبدع فيه الممثلون وألهم الطفل الذى يدرس بمدرسة أمريكية وجسد شخصية حسن البنا وهو صغير وبالطبع إياد نصار وقبلهم جميعا المخرج محمد ياسين، الذى كان أداؤه ناعما.. ولا أدرى هل النعومة تعبير فنى صحيح أم أنها كلمة خطأ.. لكنه كان أستاذا فى مشاهده ونقلاته وصوره وكاميراته. أما الموسيقى للفنان عمر خيرت فهى عالمية صبغت المسلسل بتلك الصفة، وذكرتنى بكلاسيكيات السينما الأمريكية الخالدة.. وهذا ليس بجديد على الفنان الموسيقار الكبير..
● لقد استمتعنا بعمل فنى راق طوال شهر رمضان، وحين انتهى شعرنا بالحزن لأننا سنفتقد متعة الترويح.. والقضية بالنسبة لمتابعة المسلسل لم تكن لملايين المصريين موقفا سياسيا، بالاتفاق مع الإخوان المسلمين أو برفضهم.. ومن أسف أن هناك ظنا يرى أن الصخب الدائر ويسمى بالحراك السياسى، يجسد صراعا يعيشه الشعب المصرى كله، بمدنه ونجوعه. هذا ليس صحيحا حسب ما نظن، إذ يبدو أنه صراع دائر بين النخبة، بينما ملايين المصريين، يشغلهم صراع آخر من أجل البقاء على قيد الحياة وتوفير المأكل والملبس والمسكن والعلاج والتعليم لأفراد الأسرة، فالمشروع السياسى مازال ترفا ورفاهية عند المواطن، وتسجيل ذلك لا يعنى الموافقة عليه، فعندما يلتفت المواطن المصرى إلى السياسة ويكون لكل مواطن موقفه ومشروعه سيختلف حال البلد وحال مستقبله..
● هكذا لم يكن إبداء الرأى بالإعجاب بمسلسل الجماعة موقفا سياسيا بالضرورة، بقدر ما كان تقديرا لقيمة الفن وفكرة الاستمتاع والترويح.. وانتهى بسؤال قديم لست متأكدا من إجابته: هل يجب أن يكون للفنان مشروعه السياسى وموقفه ويعبر عنه بهذا الفن.. أم أن الفنان عليه أن يمارس فنه بكل ما فى الفن من قيم ورسائل تبدأ من الترويح وتمضى إلى التحريض؟!
السؤال لحضراتكم ولحضرات الفنانين.