القدس مدينة محاطة بالأكاذيب وعاصمة التمييز العنصرى الإسرائيلى
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
السبت 25 أكتوبر 2014 - 7:55 ص
بتوقيت القاهرة
• حادث الدهس الذى وقع منذ أيام فى القدس لا يجب أن يفاجئ أحدا. ففى بريتوريا دولة إسرائيل يعيش شعبان، لكن خلافا لمناطق الاحتلال الأخرى، من المفترض أنه توجد هنا مساواة معيّنة بين هذين الشعبين مثل بطاقات هوية زرقاء للجميع، وحرية حركة، رسوم للبلدية، وضمان وطنى، فالجميع يعتبرون إسرائيليون. ولكن القدس هى فى الحقيقة مدينة محاطة بالأكاذيب وقد تحوّلت إلى عاصمة التمييز العنصرى الإسرائيلى.
• وباستثناء مدينة الخليل، فلا يوجد مكان آخر يبرز فيه نظام الفصل بصورة صارخة ووقحة إلى كل هذا الحد. ووطأة الجزمة الإسرائيلية أثقل بكثير فى العاصمة، ومن جرائها يتفاقم الاحتجاج. الغيتو آتٍ على الطريق: منكوب ومضطهد، مهمل وفقير، ملىء بمشاعر الكراهية والانتقام. والثورة أيضا قادمة.
• وعندما ستخرج من أزقة شرق المدينة موجة الإرهاب القادمة، سيصاب الإسرائيليون بالذهول والغضب. ولكن الحقيقة يجب أن تقال: على الرغم من الثمن المروع فى الأمس «مقتل طفلة»، فلا يزال أبناء الشعب الفلسطينى من أكثر الشعوب تسامحا فى التاريخ. اعتقالات جماعية، مستوطنون عنيفون، تمييز، طرد، حرمان وإهمال ــ وفى ما عدا احتجاج الحجارة، ظلّوا صامتين حتى الآن.
• لا يوجد خداع للنفس إلا وخبرناه فيما يتعلق بالمدينة. فالعاصمة ليست عاصمة، سوى فى نظرها هى؛ والمدينة الموحدة هى من أكثر مدن العالم تمزقا؛ والمساواة هى مجرد أضحوكة، والعدالة غير موجودة؛ وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة هى لليهود فقط (وللمسلمين من كبار السن)، وحق العودة محفوظ لليهود فقط. فى الواقع، فإن خطر وقوع فلسطينيى القدس ضحية أكبر بكثير مما يتعرض له يهودى باريس، لكن (lynch) « «الإعدام دون محاكمة هنا، لا أحد يحتج بغضب. وعلى عكس وضع اليهودى الباريسى، فالفلسطيني يمكن أيضا أن يُطرد من القدس. ويمكن أيضا اعتقاله بسهولة مذهلة: بعد حادث إحراق الفتى محمد أبو خضير وموجة الاحتجاج التى أثارها، اعتقلت إسرائيل 760 فلسطينيا فى المدينة، 260 منهم أولاد، وعشرات تحت سن المسئولية الجنائية.
• وكما هو الحال دائما، الرد على كل حدث مزعج. فقد أعطى بنيامين نتنياهو أمرا ب»زيادة عدد القوات»، وهى اللغة الوحيدة التى تعرفها حكومته. وعندما يصبح الاحتجاج أكثر عنفا، يضربون كفّا بكفّ ويقولون: انظروا كيف يدمرون سكة القطارات الخفيفة التى «بنيناها لهم».
• كان بالإمكان أن تكون القدس مختلفة. فلو أن إسرائيل طبّقت فيها العدالة والمساواة، لكانت تحولت مدينة نموذجية. كان على الذين يريدون ضمها العمل على ذلك. ففى أسوأ أيام الانتفاضة كان الإرهاب الصادر منها قليلا نسبيا، على الرغم من أن سكان المدينة يستفيدون من حرية التنقل فى إسرائيل. فالفلسطينيون هم أنفسهم، وفقط منع التجول والحصار كان مختلفا وحظر التجوال، وكانت النتيجة إرهابا أقل قياسا بالبلدات المحاصرة ــ وتدحض هذه النتيجة النظريةَ الأمنيةَ التى تزعم أن الحصار يمنع الإرهاب. لماذا؟ لأن كثيرين من سكان العاصمة يتشوقون لأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين؛ لكن إسرائيل تحول دون ذلك.
• إن موجة الاعتقالات فى القدس، والتى مرت من دون مبالاة تامة فى إسرائيل، وهجمات المستوطنين على الأحياء العربية بدعم من الدولة بكل أجهزتها، بما فيها مؤسسة القضاء، بالإضافة إلى الإهمال الآثم الذى تتحمل مسئوليته البلدية ــ سيؤدى فى النهاية إلى تدفيعنا الثمن. فإلى متى ينظر الفلسطينيون إلى أبنائهم وبناتهم وهم يخافون الخروج من منازلهم خشية التعرض لهجمات البلطجية فى الشارع؛ وإلى أولادهم الذين يعتقلون بسبب كل حجر يلقونه، وإلى إهمال أحيائهم. وإلى متى سيظلوا يوافقون على طردهم الهادئ من المدينة: بين عامى 1967 و2013، حرمت إسرائيل 14309 فلسطينيين حق الإقامة فى مدينة القدس بذرائع مختلفة لا تنطبق على أى من سكانها اليهود (أليس هذا أبارتهايد؟).
جدعون ليفى - محلل سياسى
«هآرتس»
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية