يشهد قطاع غزة منذ نحو ثلاثة أسابيع جرائم حرب يرتكبها الاحتلال الغاصب فى حق المدنيين، إذ لم يفرق القصف الإسرائيلى بين المنازل أو المستشفيات أو دور العبادة.. الكل مستهدف أطفال ونساء وشيوخ عزل. أضاف إلى ذلك تعتيم الإعلام الغربى للحقائق، إذ أصبح المحتل ضحية له حق الدفاع عن نفسه ضد أصحاب الأرض. فى ضوء ذلك نشر موقع أمد للإعلام مقالا للكاتب جمال زقوت، أوضح فيه أن الهدف الحقيقى من الحرب الدائرة فى قطاع غزة ليس تصفية حركة «حماس» بل تصيفة فلسطين جغرافيا وتهجير شعبها مجددا. كما أكد الكاتب على ضرورة الوحدة بين المؤسسات الوطنية الفلسطينية مع دعم عربى للتصدى لهذه الحرب... نعرض من المقال ما يلى.تواصل حكومة الحرب بزعامة نتنياهو ارتكاب جرائم غير مسبوقة ضد الإنسانية باستهداف المدنيين من أبناء شعبنا فى كل بقعة من أرض القطاع، حيث بات معدل العدد اليومى للضحايا الأبرياء يتجاوز 350 ــ 400 ضحية معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ العزل. هم ليسوا مجرد أرقام بل حكايات إنسانية كانت تحلم بحياة ليس أقل من الحياة الطبيعية كباقى البشر. كما أن حكومة القتل هذه تستمر فى حرب إبادة واسعة النطاق ضد البنى التحتية وبما يشمل المستشفيات والمدارس ودور العبادة وشبكات المياه والكهرباء المقطوعتين من الاحتلال وكذلك الطرق، وترتكب المجازر ضد عائلات كاملة أدت حتى الآن إلى شطب ما لا يقل عن خمسمئة عائلة بالكامل من سجلات السكان. وقد شهد العالم بأسره مجزرة المستشفى الأهلى المعمدانى التى ارتكبها سلاح جو قوات الاحتلال، وذهب ضحيتها ما يزيد عن خمسمائة من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، مزقت القنابل أمريكية الصنع أجسادهم إلى أشلاء، وما سبقها وما تلاها من جرائم حرب مكتملة الأركان، بما فى ذلك مجزرة كنيسة برفيريوس للروم الأرثوذكس فى مدينة غزة ثالث أقدم كنيسة فى العالم، والتى كانت تأوى عشرات العائلات الذين سبق وتعرضت بيوتهم للقصف والتدمير أدت لقتل واصابة العشرات. وهى تستمر بتهديد المستشفيات بالقصف والإخلاء الذى لا يعنى سواء الحكم بالإعدام على جميع الجرحى والمرضى الذين لم يعد الكثير منهم يجد الأدوية اللازمة كما يحدث مع مستشفى أمراض السرطان، كما أدت إلى خروج سبعة مستشفيات وخمسة وعشرين مركزا صحيا من الخدمة بعد أن تعرضت للقصف فى محيطها وتدمير الطرق المؤدية.
• • •
الجريمة الأخطر التى تنفذها قوات الاحتلال بدقة وبشكل متدرج هى تهجير أكثر من مليون وأربعمائة ألف إنسان من مدينة غزة وشمالها لوسط وجنوب القطاع باتوا دون مأوى آمن أو صالح للسكن، والذين تعرضت قوافلهم والبيوت التى لجأوا إليها لقصف جوى على رءوس أصحابها ورءوس النازحين إليها مما أدى لمقتل المئات منهم، وأيضا غالبيتهم من الأطفال والنساء. ذلك كله يؤشر إلى خطة فرض أمر واقع للتهجير الجماعى القسرى بعد أن يصبح القطاع والدمار الذى يحل به غير صالح للحياة كما بات واضحا.
• • •
الغطاء الذى قدمه وما زال البيت الأبيض يقدمه لحرب الإبادة العدوانية هذه على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والمالية ونفوذها الدولى فى سياق حرب السيطرة الكونية، بما فى ذلك ترويج الأكاذيب حول «ذبح أطفال واغتصاب نساء»، والتى استمر نتنياهو يروج لها يستخدمها على طريقة جوبلز « أى أن تكذب الكذبة وتروج لها حتى تصدقها» رغم دحضها بالكامل، محاولا الصاق حماس بالنازية وداعش الجديدتين، وأن الهدف المعلن لحربه العدوانية هو لاجتثاثها، وهو الذى كان يرعى بقاءها ويخطط لفصل غزة عن الكيانية الفلسطينية لارتكاب جريمته الأكبر بحجز حرية الشعب الفلسطينى والمس بكرامته، ومنع ممارسته لحقه الطبيعى والمشروع فى تقرير مصيره بالعودة والاستقلال والسيادة، الأمر الذى يشكل جوهر أسباب انفجار السابع من أكتوبر. فالاحتلال الممتد منذ خمسة وسبعين عاما، وما تخلل هذه السنوات من جرائم يومية ودفن جهود تحقيق السلام هى جذر الصراع، والكراهية التى تزرعها قوات الاحتلال والمستوطنون الإرهابيون يوميا وعلى مدى الساعة.
• • •
حرب الإبادة هذه تتواصل فى ظل تعتيم غير مسبوق من وسائل الإعلام الغربية، التى لا يوجد أى من مراسليها فى قطاع غزة، وهو الوجه الآخر لهذه الحرب، وهى معركة الصورة على الرواية، رغم أن حكومة الإرهاب غير مكترثة بكل قواعد القانون الدولى فى أبشع صوره، حيث تمارس قتل الضحية وتدعى أن هذه الضحية تقتل ذاتها، وهى تتمتع بالغطاء الأمريكى الأوروبى على جرائمها، تحت كذبة «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»، وكأن إسرائيل فى خطر وجودى. ومع ذلك، وفى ظل الصحوة التى شهدها الرأى العام الدولى وانتفاضة الشعوب فى مختلف عواصم ومدن العالم سيما عواصم القرار الدولى التى حظر معظمها أى تحرك والتعبير عن التعاطف مع الضحايا، إلا أن شعوب هذه البلدان تحدت الانحياز الإجرامى لقتلة تل أبيب، وخرجت فى مظاهرات عارمة تتضاعف يوميا مطالبة بوقف الحرب العدوانية على الشعب الفلسطينى، والتى تستهدف التطهير العرقى للفلسطينيين عن أرض وطنهم وتصفية حقوقهم وقضيتهم العادلة.
• • •
هل ستنجح هذه الانتفاضة الشعبية التى تكتسح عواصم القرار الدولى رغم حظرها فى تغيير مواقف الدول الكبرى المنحازة لهذه الحرب العدوانية والعودة للتعامل مع جذور الصراع الفلسطينى الإسرائيلى تمهيدا لإنهاء الحرب والاحتلال؟ إن الجواب الوحيد الذى سيمكن من تحقيق ذلك يرتكز على مدى إدارة معركة الصورة على الرواية التى من الممكن أن تسقط الحرب والاحتلال معا، وهذه المعركة ليست مجرد وسائل تقنية للوصول إلى كل بيت فى العالم على أهمية ذلك وأهمية الإقرار بالفشل الفلسطينى والعربى الرسمى والإعلامى على هذا الصعيد حتى الآن، إلا أن جوهر هذه المعركة يتمثل أساسا بوحدة الخطاب الوطنى الفلسطينى وروايته. هذا هو الشرط الاستراتيجى الرئيسى فى إدارة هذه المعركة، وهو للأسف مغيب وما يزال محكوما بكارثة الانقسام، وبأوهام اللهاث وراء الدور الأمريكى والغربى الذى ليس فى جعبته سوى فتات المواقف الاستهلاكية البائسة بادعاء تمكين السلطة الفلسطينية، والحديث الأجوف عن حل الدولتين فى وقت يستمر فيه بالدعم غير المسبوق لحكومة الاحتلال العنصرية، التى تواصل ضم الضفة الغربية وتهويد القدس على قدم وساق، وإطلاق يد المستوطنين وجيش الاحتلال لمزيد من القتل والتدمير فى الضفة الغربية تحت ستار دخان الحرب التدميرية على القطاع.
• • •
الوقت من دم! وإذا لم تقدم القيادة المتنفذة، التى باتت تفقد مجرد حضورها وليس فقط دورها، بخطوات لتوحيد ذلك الخطاب وإعلاء المصلحة الوطنية العليا لشعبنا فى هذه اللحظة التاريخية بتوحيد كل الجهود فى إطار المؤسسات الوطنية الجامعة على صعيدى المنظمة وحكومة السلطة بمشاركة الجميع وبدعم عربى جدى وتحت قبة الجامعة العربية تأكيدا على دعم وحدة شعبنا وحقوقه الوطنية، فإن التاريخ سيكون قد كرر نفسه ولكن هذه المرة على شكل مأساة تاريخية سندفع ثمنها جميعا، الأمر الذى لن يسمح به أو يتسامح معه شعب الصمود الأسطورى فى مواجهة حرب الإبادة والتصفية. نعم، لقد آن الأوان لنزع الغطاء عن الرواية الكاذبة بأن هذه الحرب تهدف لتصفية حماس، فهدفها الرئيسى تصفية فلسطين من الجغرافيا وتهجير شعبها مجددا فى المنافى. وليس من سبيل لهزيمة هذه الحرب سوى بوحدة الرؤية والخطاب والاستراتيجية والأدوات التى تضمن وقف الحرب وتنزع ذرائعها الكاذبة، وتنتصر لدماء الأطفال الذين تزهق أرواحهم دون رحمة وبصمت دولى غير مسبوق. هذه مصلحة وطنية عليا وهى فى نفس الوقت مصلحة الفرقاء فى مشهد الانقسام الذى استثمرته إسرائيل لتمرير حربها واستيطانها وتهويدها للقدس والمقدسات، والتى تستهدف الجميع دون استثناء على الاطلاق. هذه الحرب تحمل خطر التصفية، ولكن التصدى الموحد لأهدافها الاستراتيجية يحمل فرصة حقيقية لإنهاء الصراع بإنهاء الاحتلال مرة وإلى الأبد، وكى لا تضيع التضحيات هدرا. فهل تدركون ذلك؟!
النص الأصلى