موعد على العشاء
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 25 أكتوبر 2024 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
حين يقرر المرء الذهاب لرؤية أحد الأفلام فى دار السينما، يكون متأهبا تماما للمشاهدة فيذهب باختياره للقاعة ويدفع ثمن التذكرة ويرى الفيلم دون أن يكون لديه قدرة الاعتراض على جاء فى الفيلم، فطوال تاريخ السينما لم نسمع عن مشاهد ذهب إلى قسم الشرطة أو إلى مكتب العدالة وطالب باستعادة ثمن المشاهدة إما لأن الفيلم لم يعجبه، أو لأن قصة الفيلم مكررة وسبق عرضها فى فيلم أو أفلام أخرى، فالآلية كلها تتلخص فى أن المتفرج يبحث عن التسلية وقضاء وقت جميل، وبالمشاهدة فقد تم المراد، ولهذا السبب امتلأت السينما الأمريكية والمصرية والإيطالية بآلاف الأفلام المستنسخة من بعضها، وذهب الناس للمشاهدة وعادوا راضين عما شاهدوه، فى عقد الثمانينيات فى مصر وخلال فترة قصيرة رأى المشاهدون ذلك المشهد مرتين فى فيلمين مختلفين، الأول فى فيلم «موعد على العشاء» إخراج الشاب محمد خان 1981، والثانى بعد ست سنوات فى فيلم «غرام الأفاعى» إخراج حسام الدين مصطفى وبطولة ممثل شاب هو هشام عبد الحميد مع ليلى علوى وصلاح قابيل، فى الفيلمين تدعو الزوجة رجلها إلى بيتهما وتقدم له وجبة من صنع يديها، يحبها الزوج وبحثا عن الأمان فهى تأكل معه ومثله، وفى أثناء الطعام فى غرفة الأكل يسأل الزوج «هو الأكل ده فيه حاجة» فترد الزوجة بكل ثقة نعم به سم، إنه نفس الثنائى المتزوج، لكن إنه غير متحاب، وسبب وضع السم هو أن الزوج قتل زوجا سابقا لهذه المرأة كى يستأثر بها، المشهد نفسه بجميع تفاصيله فى غرفة الطعام تكرر فى الفيلم الثانى، وكانت النتيجة هى نفسها أن يموت الزوجان معا إثر تناول السم، إنه سم يختلف كثيرا عما تناوله العشاق الأقدمون فى الفنون المختلفة وأبرزهم روميو وجوليت، التفاصيل متشابهة إلا قليلاً، فالقتل ثم الخيانة هما السبب الذى دفع نوال كى تتخلص من زوجها الذى قتل زوجها السابق، وهو رجل بسيط يعمل مصفف شعر تزوجته بعد أن تركت زوجها المليونير كى تعيش حياة مع رجل يحبها، وأراد الاحتفاظ بها طول حياته فسلط رجاله لقتل شكرى، وطلب استعادة زوجته التى جاءت بنية الانتقام أما الزوجة فى الفيلم الثانى فقد درست علم الصيدلة وأحبت زميلها فى نفس الكلية واستخدما سما بطىء المفعول من الصعب اكتشاف أثره، ولكن فيما بعد يصبح هذا الزميل زوجا لكنه يعشق زميلته الجديدة فى الصيدلية ويفرض رجولته على امرأته التى تدعو زوجها الخائن على عشاء فى منزلها وتضع له نفس السم فى الطبق الذى يحبه، لكنهما لا يموتان فى الحال، بل تصبح هناك فرصة للطرفين أن يعيشا لمدة أسبوعين وأن يسافر الزوج لقضاء بعض الأعمال.
عن نفسى لقد شاهدت هذين الفيلمين فى السينما وكتبت عنهما كل فى أوانه، لكننى لم أعرف أبدا أن مشاهدا ذهب إلى العدالة وطالب استرجاع نقوده لأنهم حكوا له الحكاية مرتين، كل ما حدث أنه اقتنع بأن الأبطال هنا يختلفون عن الآخرين، حتى ولو تشابه الطعام والموقف، فأجمل ما فى السينما هو التفاصيل التى يمكن لها أن تغفل التشابه، بما يعنى أننا أمام غرفة جديدة وممثلين آخرين وحوار قد يختلف قليلا، هكذا كان يعيش أبناء جيلنا يفتحون صفحات الحوادث يوميا فى الصحف والمجلات، فيقرءونها متشابهة لا جديد فيها، فبالتالى فلا أمل فى الاعتراض على القصة، المهم هل تمت صياغتها بشكل جذاب؟ أعتقد أن هذا حدث بدليل أن هشام عبد الحميد صار نجما فى السينما وغيرها عند عرض هذا الفيلم وتهافتت عليه الأدوار الأخرى.