أيهما صاحب الفضل الأكبر؟

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 26 نوفمبر 2011 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لم تكن المهزلة التى تابعناها على شاشات التليفزيون يوم 24 مايو الماضى، والتى أدمى فيها أعضاء الكونجرس الأمريكى أكفهم بالتصفيق لنتنياهو، وتقافزوا من على مقاعدهم أكثر من 30 مرة فى مدة لم تتجاوز 40 دقيقة هى كل عمر خطابه الذى لم ينطق فيه إلا كفرا. لم تكن تلك المهزلة هى الأخيرة فى مسلسل التملق المتبادل بين أمريكا وإسرائيل. فى شهر نوفمبر الجارى خرج علينا معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو ذراع مهمة من أذرع إخطبوط اللوبى الإسرائيلى فى أمريكا، بتقرير من عشرين صفحة وحمل هذا العنوان المجلجل «إسرائيل هى الرصيد الإستراتيجى للولايات المتحدة». ولم تمض إلا أيام قليلة حتى وقف مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية العسكرية متحدثا أمام المعهد نفسه ليبادل الفضل بمثله حيث اختار للخطاب عنوان «ضمان التفوق النوعى العسكرى لإسرائيل»، وقام فيه بتعديد ما تسبغه أمريكا على إسرائيل من عطايا ونِعَم!

 

وقبل أن أستعرض أهم ما جاء بالتقرير والخطاب، أرى من الضرورى أن أعقد مقارنة بين هذا النشاط الإسرائيلى على الساحة الأمريكية، والنشاط العربى هناك. من المؤكد أن الدول العربية أكثر أهمية لأمريكا فى مجالات عدة. يكفى أن أشير إلى صادرات البترول، وتدفق الأرصدة المالية على البنوك، وشراء العرب لسندات الخزانة الأمريكية، وصفقات السلاح البليونية وغيرها من الصفقات التجارية. أضف إلى كل ذلك الموقع الإستراتيجى للمنطقة العربية المتحكمة فى كل الممرات المائية، إلى جانب القواعد البرية والبحرية والجوية الأمريكية المنتشرة على أرض الجزيرة العربية. هل تملك إسرائيل شيئا مما ذُكر فى السابق؟ وبالتالى لماذا نترك لإسرائيل الساحة لتصول وتجول، وتنفث سموم دعايتها، ونحن نمتلك من الإمكانيات والأدوات ما لا تملكه إسرائيل؟

 

...

 

أعود للحديث عن تقرير معهد واشنطن: يتحدث التقرير عن القيم المشتركة الثقافية والسياسية، والمصالح التى تجمع بين إسرائيل وأمريكا، ثم يؤكد بكل ثقة «إنه لا توجد دولة أخرى فى العالم تتطابق فيها تلك القيم والمصالح مثلما هو الحال بين البلدين»؟! ثم يتطرق إلى ما تقدمه إسرائيل من خدمات للمصالح القومية الأمريكية والمتمثلة فى مكافحة الإرهاب، والتصدى للأيديولوجيات الراديكالية الإسلامية، والحفاظ على السلام فى منطقة الشرق الأوسط. (هنا لا يأتى التقرير على ذكر ما جلبته إسرائيل على المنطقة من ويلات الحروب على امتداد تاريخها). غير أن الأغرب من كل ذلك قول التقرير إن إسرائيل إنما تخدم المصالح القومية الأمريكية عن طريق منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. والسؤال هو من الذى يملك أكبر ترسانة من أسلحة الدمار الشامل فى المنطقة بما فى ذلك السلاح النووى؟ ويقوم التقرير بالتذكير بتدمير إسرائيل للمفاعل النووى العراقى عام 1981، والمفاعل السورى المزعوم عام 2007، وكذلك المعلومات الإستراتيجية التى قدمتها إسرائيل لأمريكا المتعلقة بطرق حصول إيران على المكونات اللازمة لتطوير برنامجها النووى.

 

والواقع أن إيران حظيت بنصيب الأسد من التقرير، فبالإضافة إلى برنامجها النووى، يقول التقرير إن إسرائيل إنما تقف فى وجه المخططات الإيرانية بقوتها الحربية التى تواجه بها كلا من سوريا وحزب الله. يقول التقرير إن إسرائيل تبيع أسلحة ومعدات إلى الولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 1.5 بليون دولار فى السنة، منها طائرات دون طيار استخدمت فى العراق وأفغانستان، وأنواع من المدفعية لمقاومة أعمال القرصنة، والعديد من المعدات التى تستخدمها أمريكا فى مجال الحفاظ على أمنها الداخلى.

 

ولم يفت التقرير إبراز «التضحيات» التى تحملتها إسرائيل من أجل صالح أمريكا، مثل عدم الرد على صواريخ صدام حسين عام 1990، حتى لا ينفرط عقد التحالف الدولى لتحرير الكويت الذى كان يضم دولا عربية، وإلغاء صفقات السلاح المتطور للصين بناء على رغبة أمريكا.

 

فى المقابل كان على الولايات المتحدة أن تؤكد لإسرائيل واللوبى المتحدث باسمها ما فعلته أمريكا وتفعله حتى تضمن التفوق العسكرى النوعى لإسرائيل على كل دول المنطقة. تحدث مساعد وزيرة الخارجية عن ضمان أمريكا لأمن إسرائيل خاصة وسط الظروف التى تعيشها المنطقة حاليا، وفسر المقصود بالتفوق النوعى العسكرى الإسرائيلى الذى تضمنه أمريكا لإسرائيل بأنه «توفير القدرات لها لواجهة أى تهديد من دولة أو من مجموعة من الدول، أو أى طرف آخر». ويقول متباهيا بأن أى طلب إسرائيلى للمساعدة يتم النظر فيه أخذا فى الاعتبار ضرورة ضمان هذا التفوق النوعى لإسرائيل، بل وإن الولايات المتحدة تراعى هذا المبدأ أيضا عندما تنظر فى أى تعاون عسكرى أمريكى مع أى دولة أخرى! بالإضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة تعامل إسرائيل معاملة دول الناتو فيما يتعلق بالإسراع فى إخطار الكونجرس بصفقات السلاح المزمع إبرامه معها. يبرز المسئول الأمريكى الكبير أن إسرائيل تحصل على مساعدات عسكرية سنوية من الولايات المتحدة تبلغ قيمتها 3 بلايين دولار، أى ما يمثل 60% من إجمالى مساعدات أمريكا لمختلف دول العالم. ولعل أعجب ما قاله مساعد وزيرة الخارجية هو أن الولايات المتحدة هى المستفيدة فى نهاية الأمر من تقديم هذه المساعدات السخية لإسرائيل، إذ إن هذه المبالغ إنما يتم استخدامها فى شراء معدات أمريكية وبالتالى فإن ذلك يخلق فرص عمل مهمة فى سوق العمل الأمريكية!! استهانة منقطعة النظير بعقلية كل من يطلع على هذا الخطاب.

 

...

 

أما القاسم المشترك الأعظم فى تقرير المعهد وخطاب المسئول الأمريكى فهو التأكيد على مخاطر إيران على إسرائيل وعلى المصالح الأمريكية. يقول المسئول الأمريكى إن إسرائيل هى الحليف الأساسى لأمريكا فى مواجهة «العدوان» الإيرانى، ومكافحة شبكات الإرهاب، ومنع الانتشار النووى (مرة أخرى إسرائيل خارج لعبة النووى تماما)، ومساعدات إيران العسكرية لسوريا وإمداد حزب الله وحماس بالصواريخ عن طريقها.

 

لا أعلم من هو الطرف الذى استطاع أن يثبت أنه كان صاحب الفضل الأكبر على الطرف الآخر، ولا أعتقد إن ذلك كان مطلوبا بقدر حرص الجانبين على تعديد الخدمات التى يقدمها كل جانب للجانب المقابل. ولا أعلم من كسب السباق فى النهاية، المهم أن كل طرف قد أفرغ كل ما فى جعبته، وتملق بقدر استطاعته، من أجل كسب تعاطف الرأى العام اليهودى، ولا أقول الأمريكى لأننى أتصور أن للأخير رأيا وموقفا آخر، والدليل ذلك الصوت الذى خرج من مركز آخر للدراسات هو «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» بواشنطن، للباحث أنتونى جورسمان الذى كان له رأى مختلف تماما، حيث كتب مقالا بعنوان «إسرائيل عالة استراتيجية على أمريكا». وأكد بالمقال أنه مهما تعمقت الالتزامات الأخلاقية الأمريكية تجاه إسرائيل، فإن ذلك لا يمكن أن يبرر لجوء الأخيرة إلى تصرفات تمثل عبئا على الولايات المتحدة، وأن مثل هذه الالتزامات الأمريكية لا تعنى إطلاقا أن تدعم الولايات المتحدة أى حكومة إسرائيلية لا تسعى لتحقيق السلام مع جيرانها، أو تقيم المستوطنات فى الضفة الغربية، أو تحول القدس إلى مدينة يهودية خالصة.

 

ويضيف جورسمان أن مثل هذه الالتزامات الأخلاقية لا تتطلب من أمريكا أن تغض الطرف عما ترتكبه إسرائيل من حماقات إستراتيجية، مثل تدمير البنية الأساسية فى لبنان عندما اندلع القتال مع حزب الله، أو عندما وسعت نطاق هجماتها دون مبرر على غزة، أو الهجوم على سفينة المساعدات التركية لغزة وقتل الناشطين ممن كانوا على ظهرها. ويقول إنه قد حان الوقت لأن تراعى إسرائيل الحذر الشديد عندما تحاول اختبار مدى صبر الولايات المتحدة على تصرفاتها، أو عندما تحاول إساءة استغلال ما تتمتع به من تأييد من قبل الجاليات اليهودية فى أمريكا.

 

شاء القدر أن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، إذ تزامن وقت إصدار التقرير، الذى يؤكد أن إسرائيل هى كنز إستراتيجى لأمريكا، مع قطع المساعدات الأمريكية عن اليونسكو بعد أن صوتت المنظمة لصالح انضمام فلسطين كعضو بها، حيث غلبت أمريكا علاقاتها بإسرائيل على مصالحها الوطنية والتزاماتها الدولية.

 

...

 

بقى القول بأن ذلك التملق المتبادل بين إسرائيل وأمريكا، كما ظهر فى تقرير معهد الشرق الأدنى وفى خطاب مساعد وزيرة الخارجية، جاء متزامنا تماما مع افتضاح ما يُكِنه كل من الرئيس الفرنسى ساركوزى والرئيس الأمريكى أوباما من مشاعر حقيقية تجاه رئيس وزراء إسرائيل، وذلك عندما تصورا أنهما فى خلوة بعيدة عن مسامع الصحفيين، ولكن القدر كان له تدبير مختلف!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved