لبنان.. غير قابل للانفراط
جميل مطر
آخر تحديث:
الإثنين 25 نوفمبر 2013 - 7:00 ص
بتوقيت القاهرة
للمرة الثانية خلال أسابيع قليلة تتعرض الضاحية الجنوبية فى بيروت لتفجير انتحارى يروح ضحيته عشرات القتلى والجرحى. وكالعادة تركزت الأنظار على العدو الإسرائيلى باعتبار أن له مصلحة فى ترهيب حزب الله وإثارة ذعر كاف لدعم جهود الانفصاليين والانفراطيين، وأيضا باعتبار أن اتهامه يبعد الشكوك عن الإسلاميين المتطرفين، وبالتالى يفوت الفرصة على دعاة حرب التفتيت والانفراط.
يجد لبنانيون وعرب صعوبة فى فهم أهداف نظام بشار الأسد فى لبنان، رأيت بعضهم ما زال يبحث ليله ونهاره عن إجابة عن سؤال مطروح منذ عامين على الأقل. السؤال المطروح يتعلق بالسبب الذى يمنع النظام السورى من تفجير لبنان من الداخل عقابا له على عمليات التسلل التى يقوم بها بعض عناصر القاعدة والإرهابيين الإسلاميين وعمليات يقوم بها مجهولون لتهريب أسلحة للجيش السورى الحر وغيره من فصائل المعارضة المسلحة، فضلا عن الدور الكبير الذى تتكفل بأدائه جمعيات دولية ولبنانية أهلية لمساعدة الشعب السورى على تجاوز محنته الإنسانية متجاهلة الحكم فى دمشق.
أسمع إجابات تستحق كل واحدة منها أن نتوقف عندها لأنها تفسر جانبا من جوانب سياسة سوريا وعلاقاتها بجاراتها الأضعف. قيل مثلا، وأقدر شخصيا هذا التحليل، إن دمشق لا تملك رفاهة التضييق على حرية نسبية فى الحركة عبر الحدود مع أى دولة من دول الجوار، فهى فى حاجة لهذه الحرية للأسباب نفسها ألا وهى التسلل والتهريب، باعتبار أن سوريا المحاصرة برا وبحرا فى حاجة لمنافذ تدخل منها قوات حزب الله المتحالف مع الجيش السورى النظامى. هذه القوات تقوم الآن بحماية القرى الحدودية الاستراتيجية لسوريا ومدعوة أكثر فأكثر لتتصدر، نيابة عن قوات الجيش النظامى، المواجهات المباشرة مع قوى القاعدة وغيرها من الأحزاب المسلحة الإسلامية.
قيل أيضا إن مصلحة النظام السورى الراهن، وهى التى لا تختلف عن مصلحة حكام سوريا الأسبقين من الأجانب والعرب، قامت على عقيدة أن تبقى سوريا دولة موحدة. هذه المصلحة الوطنية السورية عكست نفسها على سياسة سوريا الخارجية تجاه جاراتها، وهى التى جعلتها شديدة الحرص على منع انفراط دول الجوار. ولا شك أننا لم نجد صعوبة فى فهم الأساس الواقعى للتمسك بهذه العقيدة باعتبار أن الانفراط القومى فى منطقة اشتهرت عبر التاريخ بتركيبتها الفسيفسائية، يمكن أن يكون سببا فى عملية تفتيت وعمليات إبادة عرقية وطائفية ومذهبية يصعب تقدير مداها.
قيل كذلك، فى محاولة حل هذا اللغز فى السياسة السورية، إن ايران وقد أصبحت قوة إقليمية مؤثرة ويعتد برأيها فى بلاد المشرق، أى فى العراق وسوريا والأردن وفلسطين وبصفة خاصة فى لبنان، وها هى تتمدد بنفوذها داخل الجزيرة العربية، لا تميل هى الأخرى الى تشجيع سياسات انفصالية فى أقاليم جوارها ربما لنفس السبب، ألا وهو الخوف من العدوى، أو لأن مشروعها لمستقبل دورها فى المنطقة ينهض على فكرة إقامة نظام إقليمى يعتمد فكرة «الدولة التعددية» نموذجا.