الخلل السكانى اعتداء على حقوق المواطن
العالم يفكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 25 نوفمبر 2014 - 8:25 ص
بتوقيت القاهرة
نشر مركز الخليج لسياسات التنمية مقالا تحليليا للكاتب القطرى على خليفة الكوارى يؤكد ضرورة مراعاة حقوق المواطن من قِبَل دول الخليج العربى بشكل عام. كتب الكوارى يقول، نعم، الخلل السكانى اعتداء على حقوق المواطن فى أى بلد كان. وتفاقم الخلل السكانى فى بعض دول الخليج العربى هو اعتداء صارخ على حقوق المواطن. فمن حق المواطنين فى وطنهم أن يكون لهم دور، وأن يكونوا هم التيار الرئيس فى المجتمع، وأن تكون هويتهم هى الهوية الجامعة ولغتهم هى اللغة السائدة، ومصالحهم المشروعة عبر الأجيال وحماية مصير مجتمعهم من التفكك والنكوص هى محط الخيارات والموجّه للقرارات العامة، وعلى رأسها السياسة السكانية.
هذا إلى جانب حقوق الإنسان التى يشاركهم فيها كل من يقيم على أرض وطنهم.
لقد فاجأتنى الإحصاءات والتصريحات الرسمية فى عدد من دول الخليج فى مطلع 2008، كما سوف تفاجئ المتتبعين الآخرين لمخاطر استمرار الخلل السكانى والداعين إلى تصحيحه. إن هذه الإحصاءات المفاجئة والتصريحات الرسمية التى تؤكدها، تعبر عن توجهات تجارية مخيفة، يمكن أن نطلق عليها «توجهات ما بعد الخلل السكانى» أو زمن التحول والتراجع عن القول بضرورة تصحيح الخلل السكانى.
لقد أصبحت الخيارات والقرارات العامة تبدو اليوم غير معنية بالخلل السكانى، وغير مراعية لحقوق المواطن والحفاظ على لغته وهويته ووجوده. وأصبح خيار التوسع غير العقلانى فى نشاط العقارات غير المبرر من وجهة نظر وطنية، هو أهم خيارات ما يسمى بالتنمية التى سبق وأن أسميتها بـ«تنمية الضياع»، ضياع الأوطان ونكوص المجتمعات الوطنية وتهديد مستقبل الأجيال المتعاقبة، عندما يصبح المواطنون أقلية فى وطنهم، ويهمَّش دورهم الثقافى والإنتاجى والإدارى، وتصبح أوضاعهم المعيشية رهينة المكرمات والقرارات الإدارية، وما تبقى من حماية قانونية هى اليوم عرضة للتغيير فى أى وقت.
وعندها يُلقى بالمواطنين فى أتون منافسة غير عادلة مع نخب الوافدين من جميع أنحاء العالم. منافسة ينتظر أن يتحول بموجبها وضع المواطنين وثقافتهم ومجتمعهم إلى ما يشبه وضع المالاويين فى سنغافورة، الذى تراجع لصالح المهاجرين الصينيين، وأصبح المالاويون (السكان الأصليون)، فى الدرجة السفلى سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا.
وقام الكاتب بعرض حالات الدول العربية التالية: حالة الإمارات العربية المتحدة.
كان أهل المنطقة فى الماضى القريب، من مواطنين ومسئولين حكوميين، يحذرون من خطورة الخلل السكانى فى الإمارات، ومن نموذج دبى بشكل خاص، عندما بلغ عدد سكان الإمارات فى عام 2001 حوالى 3.5 مليون نسمة، وتدنت نسبة المواطنين ضمن السكان إلى %20، ومساهمتهم فى قوة العمل إلى %8.7. وكان من المنتظر أن يصحح ذلك الوضع المختل الخطر الذى لا نظير له فى أى دولة فى العالم، لكن المؤسف أن عدد سكان الإمارات فى نهاية 2007 تضخم بأكثر من الضعف فى غضون 5 سنوات، فبلغ ثمانية ملايين نسمة، وانخفضت نسبة المواطنين إلى إجمالى السكان إلى %10 فقط، وفى إجمالى قوة العمل إلى أقل من %5. وأصبح عدد المواطنين البالغين 800 ألف نسمة حوالى نصف عدد الجالية الهندية البالغة 1.5 مليون.
حالة قطر.
وفى قطر التى كان المسئولون فيها ينتقدون نموذج دبى، وينأون بأنفسهم عن تقليده، فاجأنى ما حصل خلال الأعوام الثلاثة الماضية. فقد بدأت بعض المعلومات والتصريحات تشير إلى تفاقم الخلل السكانى بشكل أصبح فيه الوضع السكانى فى قطر أشبه بالإمارات، وربما يسير بوتيرة أسرع ينافس فيها نموذج دبى.
وما يجدر التوقف عنده ليس مجرد الزيادة المذهلة فى حجم السكان وتدنى نسبة المواطنين فقط، وإنما أيضا استمرارية السبب الرئيس الذى أدى إلى ذلك التفاقم المفاجئ للخلل السكانى.
والسبب الرئيس لهذه الزيادة اللافتة فى حجم سكان قطر هى السياسة التى تم بموجبها بيع أراضٍ عامة، كما سمح باستملاك الأجانب للعقارات والقيام بالاستثمار العقارى، وجرت الموافقة على منح إقامات مفتوحة لكل من يملك شقة فى المناطق المخصصة لشراء غير القطريين. ومن هذه المناطق مدينة الوسيل التى صممت لإسكان 200 ألف نسمة، معظمهم ــ إن لم يكن كلهم ــ من غير القطريين، الأمر الذى أدى إلى جانب سياسة الاستملاكات، إلى توسع هائل فى النشاط العقارى تسبب فى إزالة مناطق سكنية جديدة أربكت إزالتها الفجائية حياة المواطنين حالة البحرين.
ولعل ما نشر فى البحرين من إحصاءات مخيفة تؤكد لنا أيضا أن السبب الرئيس فى تضخم حجم سكان بعض دول الخليج العربى وتدنى نسبة المواطنين فى إجمالى السكان وفى قوة العمل، هو خيارات التوسع المفاجئ فى النشاطات العقارية. فالبحرين، مثلها مثل دبى، لا تملك صادرات معتبرة من النفط الخام أو الغاز المسال مثل قطر وأبوظبى، وإنما فتحت المجال لتوسع عقارى على نمط الإمارات وقطر، وقامت الحكومة ببيع الأراضى وتسهيل إقامة المدن والمناطق الجديدة، وما تتطلبه من تسهيلات الإقامة الدائمة واستقدام العمالة الوافدة بشكل كثيف غير مسبوق فى البحرين التى تعانى من بطالة مزمنة وأزمة إسكان بالنسبة للمواطنين.
فقد نُشر فى صحف البحرين يوم 28/2/2008 بأن عدد سكان البحرين زاد بنسبة %42 خلال عام واحد من 742 ألف نسمة عام 2006 إلى 1.05 مليون عام 2007، نتيجة لتضاعف عدد الوافدين تقريبا، إذ زاد عددهم من 283 ألفا إلى 517 ألفا، وبذلك تدنت نسبة المواطنين فى إجمالى السكان من الثلثين إلى النصف، وفى قوة العمل تدنت مساهمة البحرينيين من حوالى %35 عام 2006 إلى %15 فقط عام 2007. هذا رغم أن عدد المواطنين قد زاد فى عام واحد بنسبة %15، من 459 ألفا عام 2006 إلى 529 ألفا عام 2007 بسبب سياسة التجنيس الكثيف التى اتبعتها حكومة البحرين، والتى أدت إلى ارتفاع الزيادة السنوية فى عدد المواطنين من %2.3 إلى %15، وفى هذا إضرار بمصلحة المواطن وتقويض لوضعه مرتين.
•••
وفى الختام أوضح الكوارى أنه فى ضوء هذه المعطيات والتداعيات المتوقعة لتفاقم الخلل السكانى، سبق وكتب فى الموضوع مرارا منذ عام 1981، حين أصدرت كتيبا بعنوان «نحو فهم أفضل لأسباب الخلل السكانى»، دون أن يلقى جوابا. وقرر أن يتقدم ببلاغ إلى من يهمه الأمر. واختتم الكوارى، قائلا: من يهمهم أمر الحفاظ على الوطن وعدم ضياع الهوية العربية الإسلامية ونصوص المجتمعات الوطنية فى دول المنطقة، هم المواطنون جميعا، حكاما ومحكومين فى دول المنطقة، ومن بعدهم العرب الآخرون، كى لا تضاف نكبة أخرى إلى نكبات الأمة العربية. وأقول فى بلاغى هذا بخطورة ما أكدته الإحصاءات والتصريحات من تدنى نسبة المواطنين فى إجمالى السكان إلى %10 فى الإمارات و%16 فى قطر، وإلى النصف فى البحرين بعد أن كانت قبل عام واحد فقط تساوى الثلثين. أما مساهمة المواطنين فى إجمالى قوة العمل فقد تدنت إلى %5 فى الإمارات، و%7 فى قطر، و%15 فى البحرين. وأطالب بسرعة معالجة الخلل السكانى والتصدى لأسبابه المفاجئة إلى جانب أسبابه المزمنة. أما حول السبب الرئيسى لتفاقم الخلل السكانى الراهن هذا، بدلا من تصحيح الخلل السكانى وما يتطلبه من ضرورة عكس اتجاه تدنى نسبة المواطنين فى السكان ومساهمتهم فى إجمالى قوة العمل، فإننى أعيده بشكل رئيس إلى الخيار الذى تم اتخاذه ووضعت السياسات لتحقيقه، وهو التوسع فى بيع الأراضى العامة، وتشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار، وتسهيل الإقامة الدائمة لملاك الشقق فى المناطق الجديدة من غير المواطنين، ورفع الحواجز عن استقدام العمالة الأجنبية اللازمة لبناء المدن والمناطق العقارية الجديدة، دون مراعاة لأبعاد وتداعيات الخلل السكانى.
وجدير بالتأكيد أن تفاقم الخلل السكانى قد حصل بشكل مفاجئ فى دول تمتلك فوائض نفطية، وأخرى ليس لديها صادرات، معتبرة من النفط الخام. وهذا يشير إلى إمكانية وجود استراتيجية واحدة غير معنية بقضية الخلل السكانى، تم تطبيقها فى الدول الثلاث المدروسة، بناء على استشارات قدمتها وخطط وضعتها شركات ومعاهد أجنبية، نظرت إلى هذه البلاد كمشروعات تجارية وليس كدول وطنية عليها واجب بناء الدولة وتأهيل المواطن وتفعيل دور المجتمع وتحقيق التماسك الاجتماعى من خلال عملية تنمية وطنية مستدامة ذات بعد إنسانى.