٣١ يوليو ٢٠١٣
فى «الثورة (٣)» توحدت البلاد ضد الإخوان المسلمين. ولذا فقد وجد الثوار ــ الذين أصروا لمدة سنتين على شعار «لا عسكر ولا إخوان» ــ وجدوا أنفسهم يوم ٣٠ يونيو فى صحبة غريبة: الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة يقود مسيرته الخاصة ضد الحكومة! مظاهرات للداخلية! ضباط من الشرطة يتسامرون مطْمَئنين، وفوق رؤوسهم ترفرف على سنانيرها بانيرات بيضاء للشباب الذين قتلوهم خلال الأعوام الثلاثة السابقة! فرقة موسيقى الشرطة تعزف على منصة فى التحرير! لكن الهتاف السائد والمدوى والغالب تماما كان «الجيش، الشعب، إيد واحدة!» فقد كان الشعب يطالب الجيش بالتدخل، يطالبه بأن ينفذ إرادة الشعب.
الناس إلى الآن تصر على التعامل مع الجيش على أنه «جيشنا». الناس تريد أن تقتنع أن القوات المسلحة قد انتبهت إلى دروس «الثورة (٢)» ولا تريد أن تعود إلى الحكم. أنها نالت ما كانت تطلبه فى دستور مرسى (دستور ٢٠١٢)، وأنها تعرف أنه حتى لو أدخلت حكومة قادمة تعديلات على هذا الدستور فهى لن تمس مصالحها.
هل سيتعامل الجنرالات مع «الثورة (٣)» بشكل أفضل من تعاملهم مع ثورة يناير؟ لا ننسى أن الفريق السيسى كان عضوا فى المجلس العسكرى وكان رئيس المخابرات الحربية.
كثيرون منا اليوم يرون أن «الثورة (٣)» فى خطر حقيقى من أن يستولى عليها أعداء ثورة يناير. نعيد التأكيد أن «الثورة (٣)» لم تقم ضد الدكتور محمد مرسى ونظامه لكونهم من جماعة الإخوان المسلمين، لكن لكونهم استمروا فى سياسات حكم حسنى مبارك. نقول ونحذر أننا فى خطر حقيقى من أن يعود النظام القديم إلى السلطة بقناع جديد. لكن مشاعر الناس تقول: ليخلصونا من مرسى أولاً ثم نتعامل مع ما سيأتى.
هل كان مطروحا أن ننتظر حتى تقام الانتخابات البرلمانية على أمل أن أداء الرئاسة الفاشل سينعكس فى نتيجة الانتخابات؟ كان الناس يستشعرون القلق من أن الحكومة تعيد رسم حدود الدوائر الانتخابية بما يرجح كفة مرشحى الإخوان، ومن أن القضاة الذين سوف يشرفون على الانتخابات سيُنتَقون منتمين إلى تيار الإسلام السياسى، وفى الصراع الطويل بين الرئاسة والمحكمة الدستورية حول قانون الانتخابات لم يكن أحد متأكدا إن كانت الانتخابات ستقام أصلاً.
حين نزل المواطنون إلى الشوارع للاحتجاج، اختار رئيس الجمهورية أن يستجيب لهم بالعدوان البدنى والرصاص. وإلى تاريخ التاسع والعشرين من يونيو، ولو كان قد انتبه للمطالبات، وقام بتغيير رئيس وزارته، وبالذات لو انتقى له بديلاً من خارج جماعة الإخوان، كان الشعب سوف يصبر، ويعطيه فرصا جديدة، ولظل الإخوان شركاء فى الحياة السياسية. أما الآن فقد عدنا إلى السهر على أبواب المشرحة، نشهد على دخول جثامين القتلى إليها، ونتشاجر مع سلطاتها ليسمحوا للأهالى بالبحث عن أبنائهم فى ثلاجاتها. الجرافيتى على جدار قصر الاتحادية يقول: «شرعية صناديقكم تلغيها صناديقنا.. ارحل!».
واليوم، فى ٣١ يوليو، الإخوان ومناصروهم يخرجون بالآلاف فى مسيرات فى المدن والقرى، لنصرة الاعتصامات، ولنصرة الرجل الذى لازالوا يوالونه رئيسا. أما ما عداهم من الناس فهم مصممون على إزاحة الجماعة من السلطة. الإعلام يصرخ ويحرض طالبا الدماء. القوات المسلحة وأجهزة الأمن تتفكر فى الاختيارات المتاحة لها. لا أحد يعرف تحديدا مدى ما تتمع به الوزارة المؤقتة ذات الشهر الواحد من حرية حركة أو تأثير. لا أحد يعرف مدى اتساع طموحات الفريق السيسى.
هناك قلب، قلب صلب، لم يرفع عينيه أبدا عن أهداف الثورة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية ــ وما يستتبعها من كرامة إنسانية. يعرف أن مطلب الشعب فى النهاية ــ مهما طالت ــ سيكون إدارة تدفع بالبلاد فى اتجاه تحقيق هذه الأهداف؛ أن الشعب، حتى إن تمت غوايته ليحيد عن طريقه الآن ــ سيعود يصر على الطريق وعلى الأهداف.
أما نحن، فى هذه اللحظة، فنسمح لأنفسنا بإجازة قصيرة على شاطئ البحر. نتعافى، نعد الطعام، نطير الطيارات الورقية، ونلهو مع خالد. شمس ورمال وبحر وهواء. سنعود، إلى الشوارع، نحاول ــ كالآخرين ــ دفع ثورتنا على طريقها الصعب. وحين تقرأ هذه الكلمات، بعد شهور طويلة من اليوم، ربما نكون قد قطعنا شوطا على الطريق نحو أهدافها ــ أهدافها الإنسانية الكبيرة.
وعلى العموم، وفى جميع الأحوال، ليس هنا ضرر من الإصرار على:
يسقط، يسقط حكم العسكر
يسقط، يسقط حكم المرشد
طول ما الدم البشرى رخيص، يسقط يسقط أى رئيس
والمجد، المجد للشهداء
تـم
نشر الجزء الأول من الأصل الإنجليزى لهذا النص، بعنوان «القاهرة: مدينتى وثورتنا»، فى ابريل ٢٠١٢. الناشر: دار بلومزبرى، لندن
نشر الأصل الإنجليزى لهذا النص، مكتملا، بعنوان «القاهرة: مدينة تحولت» فى يناير ٢٠١٣. الناشر: دار بلومزبرى، لندن؛ راندوم هاوس، نيويوك.
تعريب النص من الإنجليزية: أهداف سويف ٢٠١٣/٢٠١٤/٢٠١٥