عن المؤتمرات العلمية
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 25 نوفمبر 2017 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
منذ عدة أسابيع عدت من مؤتمر علمي في العاصمة الأمريكية واشنطن، وفي أثناء حضوري للمؤتمر ومشاركتي في نقاشاته أخذت أفكر في المؤتمرات العلمية عندنا في مصر وكيف يمكن أن نحسنها، قبل أن نشرع في مناقشة هذا الأمر أحب أن أنوه أننا نتكلم عن المؤتمرات العلمية المتخصصة في مجال معين وتعرض وتناقش فيها أبحاث علمية من جامعات ومعامل أبحاث وهذا يختلف عن المؤتمرات الصناعية التي تلتقي فيها شركات متخصصة في مجال ما لتبدل الخبرات والتسويق، وأيضاً أحب أن أقول أنه في بعض التخصصات العلمية (مثل تخصص كاتب هذه السطور) الأبحاث المنشورة في المؤتمرات العلمية تكون أقوى من تلك المنشورة في المجلات العلمية وفي أغلب التخصصات يكون العكس، في هذا المقال نتكلم عن تلك المؤتمرات القوية.
حضرت مؤتمرات علمية كثيرة في مصر والخارج على مدار العشرين سنة السابقة، من ملاحظاتي وجدت أننا ننظم المؤتمرات العلمية في مصر لسببين: ليتسنى للأساتذة الذين لا تستطيعون السفر للخارج وتقديم أبحاثها أن يقدموا أبحاثها في الداخل مما يساعدها على الترقية في السلم الأكاديمي، سبب آخر هو الظهور والظهور هنا معناه أن هذه الجامعة أو هذا القسم يظهر بمظهر علمي جيد أمام المجتمع الدولي أو المحلي وهذا ليس سيئاً تماماً شرطاً ألا يكون السبب الوحيد فالعلاقات العامة مهمة حتى في الوسط العلمي... هناك سؤالان الآن يجب أن نحاول الإجابة عليهما: هل هذه الأسباب تكفي؟ ما الذي نستطيع عمله كي نستفيد أقصى إستفادة من المؤتمرات العلمية التي تنظم عندنا؟ ... بالنسبة للسؤال الأول فالإجابة بالتأكيد هي لا لأنك من الممكن أن ترقي من لا يستحق الترقية، أما حب الظهور وفقط لا يفضي إلى شيء ذي بال إلا الترقية في المناصب الإدارية ولكنه لا يفيد في التقدم العلمي إلا إذا أحسن استغلاله كما سنرى وهذا يجرنا إلى السؤال الثاني وهو كيفية الاستفادة من المؤتمرات العلمية عندنا وكي نجيب عليه علينا أن نعرف أولاً لماذا يحتاج المجتمع العلمي للمؤتمرات.
المجتمع العلمي يحتاج لمؤتمرات علمية ليتقدم، أولاً في هذا التجمع العلمي فائدة كبرى حيث يلتقي الباحثون من مختلف الفرق البحثية ليتبادلوا الأفكار والخبرات وينتج من هذا أفكاراً جديدة وزيادة في التعاون بين الباحثين فكلما كبر الفريق البحثي كلما زادت فرص الإكتشافات العلمية (إذا لم تتدخل الغيرة العلمية في الموضوع!)، ثانياً بالنسبة للباحثين الصغار وطلبة الدراسات العليا ليقابلوا الباحثين الكبار ويتعملوا ليس فقط طرق تفكير جديدة تم صقلها عبر سنين عدة من العمل والبحث ولكن أيضاً ليتعملوا كيف يقدموا المعلومة لأن في المؤتمرات الكبيرة توجد محاضرات (بخلاف تقديم الأبحاث العلمية) يلقيها الباحثين الكبار في موضوعات علمية من صميم تخصصاتهم، في هذه المحاضرات نرى كيفية تقديم محتوى علمي بطريقة شيقة، لاحظ أننا لا نتكلم عن توصيل العلم للعامة فالمؤتمرات العلمية هي للخاصة ولكن هذا لا يمنع أبداً أن تكون المحاضرة شيقة، ثالثاً هي فرصة ليلتقي الباحثون بالشركات الكبرى في مجال التخصص فمثلاً في مجال هندسة الحاسبات ترسل شركات مثل إنتل وجوجل و آي بي إم وآخرين ببعض باحثيها إلى المؤتمرات العلمية ليقدموا بعض الأبحاث وليتعرفوا على الأبحاث في السلك الأكاديمي وأيضاً ليحاوا استقطاب المتميزين من طلبة الدراسات العليا للعمل عندهم، هذا الحراك العلمي والمناقشات بين الطلاب وصغار الباحثين وكبار العلماء والباحثين من الشركات ومعامل الأبحاث هو الفائدة الكبرى.
إذا كيف نستفيد من المؤتمرات العلمية عندنا في مصر؟
أولا يجب أن نحرص على تواجد كل من ذكرنا: الطلبة وصغار وكبار الباحثين (من مصر ومن خارجها) وممثلين عن الشركات بالإضافة إلى بعض المؤسسات الحكومية لأن ذلك يساعد على معرفة ما يحتاجه السوق أو المؤسسات ويساهم في توجيه دفة البحث العلمي كما يساهم في إيجاد الصلة بين الطلبة والشركات والمؤسسات حيث يمكن أن يذهب هؤلاء الطلبة للتدريب في هذه المؤسسات بل ويمكن أن يكونوا نواة لإنشاء مركز أبحاث ولو صغير داخل هذه المؤسسات.
ثانياً يجب أن تكون هذه المؤتمرات متخصصة وليست عامة لأن التخصص يساعد على التركيز، فمثلاً بدلاً من مؤتمرات عن الحاسبات يكون عندنا مؤتمر عن تصميم الحاسبات ومؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وهكذا، قد يعترض البعض ويقول أن هذا يتطلب الكثير من المال، والرد على ذلك أنه يمكن أن تكون هذه المؤتمرات في نفس الوقت ونفس المكان ولكن لكل مؤتمر منها لجنة التحكيم الخاصة به وبذلك تقل التكاليف ويحدث التركيز المطلوب وأيضاً يتواجد الباحثون من عدة تخصصات في نفس المكان فتكون فرصة لأفكار بحثية تشمل عدة مجالات (interdisciplinary).
ثالثاً يجب أن يكون التحكيم أكثر إحكاماً ولا تدخل فيه المجاملات من نوع "هذا الأستاذ باقي له بحث واحد للترقي فلنقبل هذا البحث" ... لأن جودة الأبحاث ستعلي من شأن المؤتمر على المدى الطويل.
رابعاً سيكون من المفيد جداً تنظيم فعاليات تساعد الطلبة وصغار الباحثين مثل إعطائهم الفرصة للتحدث لمدة خمس دقائق عن مشروع تخرجهم إذا كانوا في مرحلة البكالوريوس أو مشروعهم البحث إن كانوا في الدراسات العليا.
خامساً التغطية الحية للمؤتمر على كافة وسائل التواصل الاجتماعي مهم لأنه يجعل المؤتمر مشهوراً ويساهم في زيادة عدد الأبحاث المقدمة في السنين القادمة.
سادساً تنظيم حلقات نقاش علمية (panel discussion) شيء مفيد جداً لأنه في وجود سؤال علمي معين وعدة باحثين لكل منهم رأي نستطيع أن نعرف كيف يفكر الباحثون وكيف تفنَد الآراء وهذا مفيد جداً للجميع.
وأخيراً إذا نشر المؤتمر تقريراً يلخص فيه الآراء العلمية التي قيلت والمناقشات العلمية التي حدثت يكون ذلك مفيداً لمن لم يحضر المؤتمر.
بقي أن نقول إن عدداً صغيراً من المؤتمرات الجيدة أفضل من عدد كبير من المؤتمرات الضعيفة، فلماذا لا تشتركت عدة جامعات في تنظيم مؤتمر؟ ونحب أيضاً أن نقول إن عدداً قليلاً من الأبحاث الجيدة أفضل من عدد كبير من الأبحاث الضعيفة.. ولنأمل أن نجد عندنا في مصر مؤتمرات قوية تعرف بإسمها وليس بالجهة المنظمة أو الراعية.