شطرنج
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 25 نوفمبر 2018 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
منذ أسبوعين بدأت في لندن بطولة العالم للشطرنج بين بطل العالم الحالي النرويجي ماجنس كارلسون والمتحدي الأمريكي الجنسية الإيطالي الأصل فابيانو كاروانا، مقالنا اليوم ليس عن الشطرنج ولكن عن بعض الموضوعات المهمة في المجال العلمي والتي نتعلمها من لعبة مثل الشطرنج.
أول ملاحظة هى عمر اللاعبين: بطل العالم عمره الآن 28 سنة وقد حصل على بطولة العالم منذ خمس سنوات ومتحدي بطل العالم عمره 26 سنة، إذا نظرنا إلى أعمار المصنفين المائة الأوائل على العالم حالياً سنجد أغلبهم من مواليد 1990 وما بعدها، لم يكن هذا مألوفاً في أغلب القرن العشرين حتى الثمانينات، هل هذا معناه أن الذكاء قد تطور؟ بل أن قوة لاعب الشطرنج تقاس برقم يسمى (Elo rating) على إسم عالم الرياضيات النمساوي المجري الأصل أرباد إلو وإذا نظرنا إلى قوة لاعبي الشطرنج منذ الأربعينات حتى الآن سنجدها قد إرتفعت جداً، هل هذا دليل آخر على ارتفاع مستوى الذكاء في العالم؟ الحقيقة أن إجابة هذا السؤال ليست سهلة لأننا سنلاحظ شيئاً مشابهاً في لعبات أخرى لا تعتمد على الذكاء بالقدر الذي تعتمد فيه على القوة الجسدية والمرونة، من حصل على ذهبية المائة متر عدو في أولمبياد 1904 حققها برقم يصل إليه التلاميذ الآن في بطولات المدارس! ماذا نستنتج من كل ذلك؟ هناك عدة أشياء: أولاً كلما كان أمامك هدف محدد فأنت تستطيع تخطيه بالتدريب المكثف والمخطط بطريقة علمية، فالعداء يعرف الرقم السابق ويدع أمامه هدف لكسره وكذا لاعب الشطرنج يعرف تصنيف اللاعبين ويحاول أن يرتقي برقمه، الشيء الثاني هو تطور وسائل التعليم والتدريب فالآن الكمبيوتر يراقب كل حركة (سواء في لعبة رياضية أوذهنية) ويحللها ويقترح وسائل للتحسين وفي الألعاب الرياضية تطورت الأدوات أيضاً من نوعية الأرض والأحذية والملابس وكل ذلك يساعد على تحسين الأداء.
دعنا ننقل ذلك إلى الحياة العلمية، تطورت وسائل التعليم والتدريب وتطورت الأدوات التي تستخدمها في البحث العلمي فأنت الآن تستطيع الحصول على أي بحث علمي في ثوان حتى وإن كان قد نشر البارحة بل وهناك برامج تتابع الأبحاث المنشورة يومياً وتطلعك على ما قد يهمك منها، هناك أيضاً برامج تحلل النتائج العلمية للتجارب التي تجريها وتعطيك فكرة عما تعنيه الأرقام، إذا فالباحث في عصرنا هذا لديه كم أكبر من المعلومات ووسائل أحدث للتعلم والتحليل فهل هذا معناه أن أبحاثه يجب أن تكون أقوى وأعمق من أبحاث باحث في بدايات القرن العشرين حيث كان يجب أن تنتظر شهوراً حتى يأتيك بحث جديد بالبريد ثم تكتب بحثك على الآلة الكاتبة و ترسله بالبريد أيضاً؟ قد تظن أن الإجابة بالإيجاب ولكن الموضوع أعقد، العلم تراكمي والمادة العلمية منذ قرن كانت أقل تعقيداً مما هي عليه الآن، نعم قد نطورت أدوات البحث ولكن العلم تطور وأصبح أكثر تعقيداً، سنجد الآن الباحثين ينشرون أبحاثاً أكثر بكثير في المتوسط من حيث العدد من الباحثين منذ قرن مضى ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الأبحاث أكثر عمقاً بالإضافة إلى أن تعقيد العلم أصبح يستلزم فريق بحثي وليس شخصاً يعمل بمفرده، لذلك في البحث العلمي على الباحث أن ينظر للأمام وليس إلى الخلف مثل اللعبات الرياضية.
ثاني ملاحظة نأخذها من لعبة الشطرنج هي الخبرة المكتسبة من هذه اللعبة، عندما نجد لاعباً متفوقاً في الشطرنج نصفه بالذكاء الشديد أو حتى بالعبقرية، المفاجأة أنك قد تكون متوسط الذكاء وتفوز ببطولة العالم في الشطرنج إذا تدربت بشكل مكثف تحت يد مدربين أكفاء ومساعدين لك في وضع الخطط بالإضافة إلى استخدام أجهزة كمبيوتر قوية للتحليل، إذا فهي تحتاج لذكاء متوسط وبعض المهارات والتدريب الكثير القاسي، طبعاً الموهبة تساعد كثيراً ولكن هذا موضوع آخر، هل إذا إعتزل لاعب الشطرنج المحترف اللعبة وإتجه إلى دراسة علم آخر فهل سيبدع؟ هل المهارات التي إكتسبها من لعبة الشطرنج يمكن أن تنتقل بسهولة لمجال آخر؟ الإجابة نعم ولكن بمجهود وخطة لأن قواعد لعبة الشطرنج مختلفة عن قواعد أي علم آخر، وهوبالضبط ما يواجهه باحث حين ينتقل من مجال إلى مجال آخر ولكن في العلم عندما تنتقل إلى مجال آخر تنتقل بمجموعة مهارات وأيضاً معلومات إذا كان المجال الجديد له علاقة بالمجال القديم، وأيضاً في العلم أنت لا تحتاج عبقرية خارقة ولكن تحتاج ذكاء فوق المتوسط وعمل دؤوب.
حيث أننا نتكلم عن الشطرنج فلا يسعنا قبل أن ننهي هذا المقال إلا أن نهنئ منتخب مصر للشطرنج والذي تألق في أولمبياد الشطرنج في أكتوبر الماضي ولا يجب أن نغفل أن عندنا لاعب مصري موهوب في المائة الأوائل على العالم حسب تصنيف الإتحاد الدولي وهو باسم أمين (المصنف رقم 35) ولدينا أيضاً أحمد عادلي اللاعب الموهوب الذي بدأ أكاديمية لتدريب الشطرنج في مصر وتصنيفه في المائتين الأوائل.