من يملأ فراغ مطربي المهرجانات؟
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الخميس 25 نوفمبر 2021 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
سفير دولة عربية محب جدا لمصر وشعبها بعث لى برسالة واتساب يوم الإثنين الماضى عبارة عن صورة لمجموعة ركاب أحد الميكروباصات وهم يقولون للسائق ساخرين: «ما تشغلنا حاجة لتشايكوفسكى أو بيتهوفن يا أسطى»!!!
مناسبة هذه الصورة شديدة الكاريكاتورية هو القرار الذى أصدره الفنان هانى شاكر نقيب الموسيقيين بمنع ١٩ مطربا ومؤديا من مطربى المهرجانات من الغناء وسحب تصاريحهم السنوية للغناء. والممنوعون هم: حسن شاكوس وحمو بيكا وحسن أبوالروس وكزبرة وحنجرة ومسلم وأبوليلة وفيلو وموزة وحمو طيخة وريشا كوستا وسمارة وشواحة وفريق ولاد سليم والعصابة والزعيم وعلاء فيفتى وفرقة الكعب العالى ومجدى شطة ووزة وشكل وعمرو حاحا.
سبب المنع المعلن هو الغناء من دون تصريح نقابى طبقا لطارق مرتضى المتحدث الرسمى باسم النقابة. وفى المضمون فإن مرتضى قال لسكاى نيوز عربية: «هذه خطوة لإنقاذ الفن والساحة الغنائية ومحاولة جادة لسد الأبواب الخلفية لمن هم عديمو الموهبة الذين يعبثون بسمعة الفن المصرى، وأن النقابة تقوم بدورها فى حماية المهنة كقيمة وحماية المجتمع والذوق العام فى مصر والوطن العربى».
هانى شاكر على صفحته على الفيسبوك: «يمنع منعا باتا من ليس عضوا بالنقابة من الغناء وغير مصرح له بالعمل لحين تصحيح أوضاعهم بالنقابة واجتياز الاختبارات، وطول ما أنا موجود مش هسمح بالمهازل، انا لست ضد فن المهرجانات ولكن ضد الكلمات والأصوات غير الجيدة والهدف من القرار الأخير تنقية الأوضاع».
هذا القرار كان مثارا للجدل الشديد بين مؤيد ومعارض.
المؤيدون يتبنون وجهة نظر النقابة بالكامل ويقولون إن ما يقدمه هؤلاء المؤدون يمكن أن يطلق عليه أى شىء باستثناء أنه فن أو غناء أو طرب وأنهم أفسدوا الذوق العام والقيم وأساءوا لسمعة مصر.
المعارضون لهم رأى مقنع أيضا، ومنهم الناقد الموسيقى مصطفى حمدى الذى قال لموقع بى بى سى: «لا أحد يستطيع فرض وجهة نظره على الذوق العام، وتشكيل هذا الذوق أكبر من مجرد قرار تصدره أى جهة ولو كانت نقابة المهن الموسيقية، والمهرجانات باتت لونا موسيقيا منتشرا بين شرائح واسعة فى المجتمع، وله أبعاد اجتماعية، وحميد الشاعرى تم إيقافه قبل ٣٠ عاما، بسبب اعتماده على جهاز موسيقى إلكترونى، وعاشت هذه التجربة، ومن اتخذوا قرار منعها لم يعد يتذكرهم أحد.
ورأى آخر يقول إن كثيرين حاولوا منع عبدالحليم حافظ وعدوية، وغيرهم فى بدايات ظهورهم بحجة أنهم ضد السائد بل وسخروا من أشكالهم وأصواتهم وأسمائهم، ولو كانوا نجحوا فى ذلك لخسر الفن كثيرا.
الطريف أن حمو بيكا ظهر فى فيديو وقال: «عارف أنا مش مطرب أنا مؤدى مهرجانات وعارف إن صوتى وحش، بس عاجبنى وعاجب الناس اللى بتسمعنى والناس بتستقبلنا بره مصر أحسن استقبال»!!
الصديق والكاتب الصحفى محمد عبدالله قدم حلقة متميزة الأسبوع الماضى على الفضائية المصرية، قال فيها: «المنع ممكن يبقى وسيلة ضغط لتصحيح المسار، لكنه ليس حلا نهائيا وهذه الخناقة عبثية، فالمطربون لن يتوقفوا عن العمل والنقابة لن تستطيع أن تكمل فى عملية المنع».
هذه هى حصيلة الجدل، ومن الواضح أن معظمنا يرى الأمور بطريقة الأبيض والأسود وهو أمر لا يصلح فى الظواهر الاجتماعية شديدة التعقيد خصوصا تلك التى تتعلق بالذوق العام، وهو ما رأيناه فى المناكفة بين هانى شاكر ونجيب ساويرس.
شخصيا لا أسمع هذه الأغانى ولا أحبها، لكن لا أستطيع تجاهل أن هناك ملايين المصريين يسمعونها، ويحبونها ويتأثرون بها، وسؤالى العملى هو ماذا سنفعل مع هذه الملايين، وإذا أيدنا قرار المنع فمن الذى سيتقدم ويملأ هذا الفراغ الذى احتله مطربو المهرجانات طوال السنوات الماضية؟!
هل تستطيع نقابة المهن الموسيقية وأعضاؤها ومطربوها المعتمدون أن يصلوا إلى الملايين الذين يستمعون لهذه النوعية من الأغانى؟!
بدأت بحكاية السفير العربى، وعلى الرغم من أن الصورة ساخرة وفكاهية، فإنها واقعية، فعدد كبير من ركاب الميكروباصات وكل ركاب وسائقى التكاتك يستمعون لأغانى المهرجانات فقط، والأدهى أن معظم الطبقة الراقية ومعها الطبقة الوسطى ترقص على هذه الأغانى فى أفراحها، فكيف يمكن تفسير هذا التناقض؟!
الظروف والسياسات والقيم التى عاشها المجتمع المصرى فى العقود الثلاثة الأخيرة أفرزت هذا الواقع ليس فى الغناء فقط، بل فى كل المجالات خصوصا التكاتك، وبالتالى فإن معالجة مشكلة مطربى المهرجانات لا تكون فقط بالمنع بل بالارتقاء بذوق الناس، أو الوصول إليهم بأى طريقة طبيعية ولن يتم ذلك إلا بإصلاح حقيقى للتعليم.