اضبط ساعتك على 20 يناير 2025

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

 يلعب قادة الدول الكبرى دورًا حاسمًا فى استدامة حالة الاستقرار فى الساحة الدولية، ويمكن أن تقود قراراتهم غير المدروسة أو التوجهات الأيديولوجية المتطرفة إلى أزمات عالمية كبرى. على سبيل المثال، إعادة انتخاب دونالد ترامب، ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة يثير مخاوف جدية، لا سيما أن فريقه يضم شخصيات من التيار الشعبوى اليمينى المعروف بمواقفه المنحازة لرؤية غربية متطرفة عن الطريقة التى يجب أن يعمل بها العالم، والتى من ضمنها الانحياز لفكرة «إسرائيل الكبرى». وقد يتسبب ذلك فى أخطاء كارثية فى التعامل مع القضايا الإقليمية الحساسة، مثل الصراع الحالى فى غزة والممتد لعدة دول، نتيجة لافتقارهم إلى الخبرة وعدم فهمهم لتطلعات شعوب المنطقة العربية.
كل ذلك يعنى أننا فى انتظار فوضى عارمة على المستوى الدولى فى ظل إدارة ترامب الثانية التى لا تكترث بالتبعات المحتملة لسياساتها على المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية وغيرها.
• • •
يؤكد التاريخ فى هذا السياق أن الأوقات التى تسبق انهيار النظام الدولى عادة ما يسبقها خلل فى تفسير التفاهمات الدولية. ونجد قوة صاعدة تقول إنها تعمل ضمن النظام الدولى بينما هى فى الواقع تقوضه وتقوض قواعده. على سبيل المثال، ألمانيا وإيطاليا فى ثلاثينيات القرن الماضى، حيث استغل كل من هتلر وموسولينى المادة العاشرة من ميثاق عصبة الأمم لتبرير تحركاتهما العسكرية، فقد التف هتلر على مخرجات مؤتمر باريس للسلام، وأعاد تسليح ألمانيا عام 1936 معللًا ذلك بأنها خطوة دفاعية تسمح بها المادة 10 من الميثاق، وادعى موسولينى أن غزو إثيوبيا عام 1935 كان مهمة حضارية لا تخضع لميثاق عصبة الأمم، ما أدى إلى تقويض سلطة العصبة التى افتقرت إلى القدرة على فرض قواعدها. هذه الأمثلة ساهمت بشكل مباشر فى انهيار العصبة واندلاع الحرب العالمية الثانية.
استفاد العالم من هذه التجارب، ووضع ميثاق الأمم المتحدة لسد الفجوات التى أدت إلى الحرب العالمية الثانية. إثر ذلك، استمرت هيئة الأمم المتحدة خلال الحرب الباردة وتمكنت من ضبط التفاعلات الخطرة ومنع قيام حرب عالمية شاملة، بالرغم من وجود قطبين متصارعين. لكن بعد نهاية الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على النظام العالمى، انتهجت هى نفسها سياسة خارجية فى كثير من الأحيان تزعزع قواعد النظام الدولى. حيث شهدت الأمم المتحدة تحديات مماثلة بدءًا من غزو العراق عام 2003، حيث بررت الولايات المتحدة هذا الغزو بموجب قرار 1441، مدعية أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. ومع ذلك، تم تنفيذ الغزو دون تفويض صريح من مجلس الأمن، ما أثار جدلًا حول انتهاك المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة.
مثال آخر حدث فى عهد إدارة أوباما عام 2011 عبر الغزو العسكرى لليبيا الذى أثار جدلًا واسعًا فى الأوساط الدولية. فبينما كان الهدف المعلن هو حماية العزل المدنيين من نظام معمر القذافى، الذى كان يواجه ثورة فى بلاده، إلا أن الحملة العسكرية التى شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لم تكن مدعومة بتفويض واضح من مجلس الأمن. وأدى الغزو إلى نشوب فوضى سياسية فى ليبيا، ما أتاح المجال لظهور الجماعات المسلحة، مثل داعش فى الشمال الإفريقى. هذا التدخل العسكرى أظهر ضعفًا فى إدارة الأزمة بعد الغزو، حيث فشلت الدول الغربية فى بناء استقرار سياسى دائم، ولحقه إطلاق موجات من الاضطرابات فى شمال إفريقيا، وامتدت إلى الشرق الأوسط.
• • •
فى سياق متصل، وأثناء ولاية ترامب الأولى، قرر عام 2018 انسحاب الولايات المتحدة منفردة من الاتفاق النووى مع إيران الذى كان موقعًا من الدول الكبرى تحت غطاء من الأمم المتحدة عام 2015، وأضعف هذا القرار العلاقات الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين، وأدى إلى تصعيد التوترات فى الشرق الأوسط، لكن ترامب لم يكترث بأى من ذلك، كما أعاد سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، التى أثرت على استقرار المنطقة وأدت إلى زيادة النزاعات، خصوصًا فى العراق وسوريا واليمن. سياسة ترامب هذه المناهضة للأعراف الدولية وقراراته الأحادية الجانب كانت تثير حينها قلقًا عالميًا بشأن عدم قدرة الولايات المتحدة على قيادة النظام الدولى بشكل فعال. نضيف إلى ذلك أن خلال نفس الفترة، اتخذ ترامب قرارات تمثل تحديًا صارخًا لتطلعات المنطقة العربية، تمثلت فى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ثم الاعتراف بأن الجولان المحتلة أرض تابعة لإسرائيل.
أما فى إدارة جو بايدن التى أوشكت على الرحيل من البيت الأبيض، فإن موقفها المساهم فى حرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل على غزة منذ نهاية 2023، وإصرارها على فعل ذلك عبر استخدامه المتكرر للفيتو فى الأمم المتحدة لمنع وقف العدوان، مع عدم اكتراثها بقرارات محكمة العدل الدولية الصادرة لوقف حرب الإبادة، يؤكد استمرار نهج تقويض النظام العالمى فى ظل عجز مؤسساته على مواجهة مثل هذه التحديات. وتنتقل هذه الحالة إلى دول كبرى أخرى لتزيد من التحديات أمام الأمم المتحدة، حيث تسرى حالة التمرد على النظام الدولى من دولة، مثل روسيا التى انتهجت سياسات مشابهة منذ عام 2014، حيث استخدمت مبدأ «حق تقرير المصير» لتبرير إعادة ضم شبه جزيرة القرم، متجاهلة انتقادات دولية تؤكد أن الاستفتاء جرى تحت تهديد عسكرى، ما اعتبر انتهاكًا للسلامة الإقليمية لأوكرانيا. ثم تبع ذلك غزوها لأوكرانيا فى فبراير 2022 تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الأشخاص الناطقين بالروسية فى أوكرانيا، وأن الغزو كان ضرورة لمنع التوسع العسكرى الغربى فى المنطقة، علمًا بأن هذا الغزو يشكل انتهاكًا للمادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، التى تحظر استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو ضد الاستقلال السياسى لأى دولة.
• • •
من ثم أصبحت المؤسسات الدولية غير قادرة على منع الدول الكبرى من اتخاذ خطوات أحادية الجانب تتعارض مع القواعد الدولية. واليوم، فى ظل استمرار الحرب فى أوكرانيا، والحرب فى غزة، والتهديد المتزايد للصراع فى بحر الصين الجنوبى، يبدو أن النظام العالمى يمر بمرحلة خطيرة من التراجع. هذه الأحداث تشير إلى غياب «القواعد المشتركة» التى تحكم العلاقات بين الدول، ما يؤدى إلى تساؤلات جادة، أهمها: هل النظام القائم الذى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية والذى صمد خلال الحرب الباردة لم يعد قادرًا على الصمود أمام التحديات الحديثة؟
الشاهد أننا مقبلون على فترة تحدٍ كبيرة فى ظل ولاية ترامب الثانية، الذى يعود إلى البيت الأبيض فى 20 يناير المقبل، وهو محمل بسياسات خطرة ويرافقه فريق عمل يفتقر إلى الخبرة والحنكة السياسية. على الأرجح، ستكون خطوات هذه الإدارة مزعزعة للاستقرار العالمى والمؤسسات الدولية. وإلى حضراتكم سؤال للتدبر: ماذا تفعل الدول العربية حيال موقف ترامب الذى يرى مساحة إسرائيل صغيرة تستوجب المزيد من التوسع؟ وسؤال آخر، ماذا يبنى العالم بعد الأمم المتحدة؟

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

الاقتباس:
الشاهد أننا مقبلون على فترة تحدٍ كبيرة فى ظل ولاية ترامب الثانية، الذى يعود إلى البيت الأبيض فى 20 يناير المقبل وهو محمل بسياسات خطرة ويرافقه فريق عمل يفتقر إلى الخبرة والحنكة السياسية. على الأرجح، ستكون خطوات هذه الإدارة مزعزعة للاستقرار العالمى والمؤسسات الدولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved