عَودٌ على بَدء

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 25 ديسمبر 2010 - 9:43 ص بتوقيت القاهرة

 بعد مخاض عسير، انطلقت فى شهر مايو من هذا العام المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت الأخيرة فى نوفمبر من العام الماضى، وبناء على ضغوط أمريكية، عن وقف النشاط الاستيطانى لفترة لا تزيد على عشرة أشهر، وعلى ألا يشمل ذلك القدس الشرقية ثم تحولت هذه المفاوضات فى العشرين من شهر أغسطس بقدرة قادر، إلى مفاوضات مباشرة، غير أن عمر المفاوضات المباشرة هذه كان أقصر كثيرا عن سابقتها غير المباشرة، حيث توقفت مع انتهاء فترة تجميد الاستيطان فى 26 سبتمبر، ورفض نتنياهو تمديد الفترة ولو لثلاثة أشهر أخرى.


بعد محاولات من جانب الولايات المتحدة لحمل إسرائيل على تغيير موقفها، بما فى ذلك تقديم عطايا عسكرية وسياسية غير مسبوقة، فشلت الولايات المتحدة فى زحزحة إسرائيل عن موقفها وأصرت الأخيرة، فى محاولة ابتزازية وجشعة، على الحصول على الوعود الأمريكية تلك بشكل مكتوب ومصدق عليها!

اضطرت الولايات المتحدة، الدولة العظمى، إلى الإعلان فى 8 ديسمبر صراحة عن فشلها فى الحصول على هذا التجديد المحدود والجزئى، والتوقف عن مواصلة مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان، ومن ثم دعت الطرفين إلى العودة إلى المفاوضات غير مباشرة مرة أخرى لمعالجة مختلف قضايا الحل النهائى.

وحتى يبدد نتنياهو أى مخاوف من أن تكون هذه المفاوضات غير المباشرة الجديدة هى نهاية المطاف، أعلن أنها تستهدف فقط وضع إطار يتناول قضايا الحل النهائى، تمهيدا للعودة إلى المفاوضات المباشرة مرة أخرى.

أى عبث هذا؟! هل كان يمكن أن يقبل الفلسطينيون، والعرب من ورائهم، الدوران فى هذه الدائرة المفرغة، والعودة إلى المربع الأول من أجل بدء دورة جيدة من الإخفاقات؟

لا يحتاج الأمر إلى عناء كبير للإجابة عن هذا التساؤل. غير أن ما نحتاجه هو التعرف على الأسباب، التى أدت بإدارة أوباما إلى التراجع غير المنتظم منذ تولى أوباما الحكم فى يناير 2009.

تعددت التفسيرات لهذا المسلك الأمريكى. ذهب البعض إلى القول بإن أجندة أوباما الداخلية ورغبة فى ضمان تأييد الأصوات اليهودية كانتا وراء هذا التراجع الأمريكى. غير أن هذه الحجة مردود عليها بأن السياسة الخارجية لم تحتل أى موقع ذى بال بين القضايا التى دارت حولها انتخابات الكونجرس الأخيرة.

وأكثر من هذا فقد أظهرت استطلاعات الرأى الأخيرة وجود اختلاف كبير بين موقف الجالية اليهودية فى أمريكا وموقف الإسرائيليين. ففى حين أوضحت هذه الاستطلاعات أن 41% من الإسرائيليين يعتبرون أوباما أكثر زعيم مكروه فى إسرائيل بسبب سياسته فى الشرق الأوسط، يؤيد 72% من الأمريكان جهود إدارة أوباما لدفع العملية السلمية فى الشرق الأوسط.

التفسير الثانى للفشل الأمريكى فى التعامل مع إسرائيل هو عدم استخدام أوباما لكل أدوات الضغط التى يملكها لحمل إسرائيل على التجاوب. ويرى دبلوماسيون أمريكيون مرموقون أنه فى كل المرات، التى استجابت فيها إسرائيل للمطالب الأمريكية، جاءت بعد أن مارست الإدارات الأمريكية ضغوطا ملموسة على إسرائيل، ويؤكدون أن إدارة أوباما تملك تماما القدرة على الترغيب والترهيب، لا أن تكتفى بالإغراء والترغيب، كما فعلت عندما وعدت إسرائيل بعشرين طائرة F-35، وكذلك استخدام الفيتو فى مجلس الأمن ضد أى قرار يخدش إسرائيل، بما فى ذلك أى قرار يوصى بقبول فلسطين عضوا بالأمم المتحدة، كل ذلك فى مقابل تجميد الاستيطان لثلاثة أشهر. جميع هذه الإغراءات لم تُجدِ نفعا مع إسرائيل لأن الولايات المتحدة لم تُقرن الثواب بالعقاب.

وهنا يقفز إلى الذهن مباشرة الموقف المشهود الذى اتخذه 26 من الزعماء الأوروبيين (بينهم ثلاثة رؤساء دول سابقين وسبعة رؤساء وزراء، و7 وزراء خارجية، والممثل الأعلى السابق للشئون الخارجية سولانا) فى خطاب قاموا بتوجيهه إلى مسئولة الشئون الخارجية فى الاتحاد الأوروبى البارونة كاثرين أشتون بتاريخ 2 ديسمبر الجارى ونشرته «الشروق»، يدعون فيه الاتحاد الأوروبى ليتبنى موقفا أكثر تشددا تجاه إسرائيل، ويتخذ إجراءات ملموسة ضدها، لأن إسرائيل لابد وأن تتحمَّل نتائج أعمالها، وأن تدفع ثمن انتهاكها للقانون الدولى».

ودعا هؤلاء الزعماء إلى أن يقوم الاتحاد الأوروبى بتعليق رفع مستوى علاقات الاتحاد مع إسرائيل على شرط تجميدها للاستيطان. كما طالبوا بأن يمتنع الاتحاد عن استيراد منتجات المستوطنات، بل وأن تتحمل إسرائيل العبء الأكبر من المساعدات المقدمة للفلسطينيين. والأغرب من ذلك كله أن هؤلاء الزعماء أوضحوا فى خطابهم المذكور أنهم قد تلقوا إشارات من المسئولين الأمريكيين بأن أفضل طريقة لدعم الجهود الأمريكية الهادفة إلى التوصل إلى السلام، إنما يكون عن طريق حَمْلِهم إسرائيل على دفع ثمن سياستها، التى تتعارض مع ما يطالب به أوباما.

يبقى بطبيعة الحال التساؤل عما إذا كنا كعرب قد قمنا بما كان يتوجب علينا القيام به لدفع إدارة أوباما فى الاتجاه الصحيح ومنع انجرافها تجاه إسرائيل.

يؤسفنى القول إن الإجابة عن هذا السؤال تجئ بالنفى. لم أسمع عن أن وفدا عربيا مؤثرا وعلى مستوى عال قد زار الولايات المتحدة، والتقى مجتمعا بالرئيس الأمريكى، وبإدارته، وبأعضاء الكونجرس، وبأجهزة الإعلام. وغاب تماما ربط الدول العربية الغنية صفقات السلاح، التى تدر مليارات الدولارات على الولايات المتحدة، بمطالبه الأخيرة بأن تكون منصفة فى التعامل مع قضايانا.

ألقت وزير الخارجية الأمريكية خطابا هاما فى مؤسسة بروكينجز يوم 10 ديسمبر الجارى أعلنت فيه أن الولايات المتحدة لن تبقى كمجرد شريك متفرج فى المفاوضات القادمة بل ستدفع الأطراف دفعا للإعلان عن مواقفهم بالنسبة للقضايا الأساسية وبشكل قاطع تماما وبدون إبطاء.

وتضيف الوزيرة بأن الولايات المتحدة ستعمل من أجل تضييق شقة الخلاف بين الطرفين، وستقوم بتوجيه الأسئلة الصعبة، وتتوقع أن تتلقى من الطرفين الردود الموضوعية ثم ألزمت الولايات المتحدة نفسها بتقديم أفكارها ومقترحاتها الهادفة إلى تقريب وجهات النظر فى الوقت المناسب. كلام جميل، وحسنا تفعل إدارة أوباما أن هى أقدمت بالفعل على أن تطرح أفكارها ومقترحاتها وتدفع الأطراف إلى بيان مواقفهم والكشف عن نواياهم.

عاد ميتشل مرة أخرى للمنطقة تأسيسا على ما صدر عن وزيرة الخارجية. ومع كل ما قالته وزيرة الخارجية فإن للفلسطينيين كامل الحق فى الحصول على ضمانات واضحة من الولايات المتحدة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدى أمام المزيد من المراوغات الإسرائيلية، وستظل متمسكة بضرورة قيام الدولة الفلسطينية فى أقرب وقت. دعم هذا الموقف الفلسطينى بقوة وزراء خارجية الدول الأعضاء فى لجنة المتابعة العربية، الذين اجتمعوا يوم 15 ديسمبر الجارى، حيث نص البيان الصادر عنها على أن «اللجنة ترى أن مسار المفاوضات أصبح غير مجدى، وتقرر عدم استئناف المفاوضات، وأن يكون استئنافها رهنا بتلقى عرض جاد يكفل إنهاء الصراع العربى ــ الإسرائيلى، وفقا لمرجعيات عملية السلام».

ومع هذا فمن الضرورى أن تواصل السلطة الفلسطينية جهودها الحصول على اعتراف أكبر عدد ممكن من الدول بالدولة الفلسطينية، ومن ثم طلب الحصول على عضوتها الكاملة فى الأمم المتحدة ــ اعترفت البرازيل والأرجنتين وأرجواى وبوليفيا بالدولة الفلسطينية وينتظر أن تلحق بهم باراجواى. واتصالا بهذا أيضا أصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى بيانا يوم 13 ديسمبر الجارى، أكدوا فيه استعدادهم للاعتراف بالدولة الفلسطينية فى الوقت المناسب، وأشادوا بما صدر عن البنك الدولى من «أن السلطة الفلسطينية ستكون فى وضع يمكنها من قيام الدولة الفلسطينية فى أى وقت فى المستقبل القريب».

لن يمر وقت طويل قبل أن تجد الولايات المتحدة نفسها فى عزله وسط إجماع دولى على ضرورة أن تتبوأ الدولة الفلسطينية مكانها الطبيعى بين الأسرة الدولية وسيكون علينا بالتالى مضاعفة جهودنا وتنسيق خطواتنا من أجل التعجيل بالوصول إلى هذا الهدف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved